
خالد الفكي سليمان
khalidfaki77@gmail.com
وسط العواصف التي اجتاحت السودان بفعل الحرب وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، يظل المغتربون السودانيون قوة صامدة تتكئ عليها الأسر الكبيرة، ورافعةً أساسية تَحول دون انهيار حياة ملايين المواطنين. فبينما تعجز مؤسسات الدولة عن تقديم أبسط الخدمات، يتقدم المغترب السوداني ليملأ الفراغ، متحملاً أعباء مضاعفة، ليس فقط تجاه أسرته المباشرة بل أيضاً نحو الأسرة الممتدة والمجتمع المحيط.
لقد شكّل تحويل المغتربين النقدي طوق نجاة للاقتصاد الوطني، إذ ظلوا يمدون خزينة الدولة بالعملة الصعبة رغم مأساوية الظروف، في وقت فقدت فيه البلاد أهم مواردها الإنتاجية وتراجعت القدرات المؤسسية. هذا الدور غير المعلن ــ لكنه محسوس بقوة ــ جعل من المغترب السوداني لاعباً محورياً في معادلة البقاء والصمود، رغم أن الدولة لم تبادله العطاء بحوافز أو سياسات تستوعب حجم تضحياته.
التجربة تؤكد أن المغتربين ليسوا مجرد مصدر للتحويلات المالية، بل هم أيضاً قوة فكرية ومهنية مؤهلة يمكن أن تسهم في إعادة بناء السودان ما بعد الحرب. غير أن سياسات الدولة تجاه المهاجرين ظلت متأرجحة، أقرب إلى جبايات موسمية منها إلى رؤية استراتيجية تستفيد من هذا المورد البشري والاقتصادي الهائل. إن غياب الحوافز، وتجاهل آليات الدمج المؤسسي، ساهم في تعميق فجوة الثقة بين الدولة ومواطنيها في الخارج.
اليوم، ومع بروز تحديات إعادة الإعمار وضرورة ترميم النسيج الاجتماعي، تبرز الحاجة إلى مراجعة شاملة لسياسات الهجرة، بما يضمن إشراك المغتربين في عملية التنمية، عبر برامج استثمارية واضحة، وحزم حوافز تشجع على تحويل مدخراتهم عبر القنوات الرسمية. ذلك ليس ترفاً سياسياً، بل خياراً استراتيجياً يحدد قدرة الدولة على النهوض من رماد الحرب.
المغترب السوداني رغم غيابه بالجسد، أثبت أنه حاضرا بالنفس والمال والعقل، يؤدي واجبه الأخلاقي والمادي تجاه وطنه. والكرة اليوم في ملعب الدولة لتتحول من عقلية الاستنزاف إلى شراكة حقيقية، تجعل من أبنائها في الخارج ركيزة أساسية لاقتصاد متعافٍ ومستقبل أكثر استقراراً.



