مقالات

ماذا بعد الحرب ؟

علي عسكوري:

كثيرون يتهربون من طرح هذا السؤال او الاجابة علية، فلا احد يستطيع ان يتنبأ بالمآلات، ولا اقصد المآلات العسكرية، فهذه اصبحت واضحة وحسم الحرب اصبح قاب قوسين او ادني.. لكن ماذا بعد ذلك؟
ما هى التداعيات السياسية التى ستلى انتصار القوات المسلحة؟
المجمع عليه ان السودان سياسيا واجتماعيا و دستوريا لن يكون هو سودان قبل الحرب، هذا اصبح امرا مفروغا منه!
وطالما أن الغالبية الساحقة من الطبقة المؤثرة متفقة على ذلك، اذن، فما هو السودان القادم وكيف سيكون شكله؟ قليلون جدا يحاولون تناول او طرح هذا الامر!

كان من المأمل ان تجتمع القوى السياسية (حد يصحيها)! لتقديم طرح جديد (كرت) يمهد الطريق للاستقرار بعد نهاية الحرب، لكن للاسف ما تزال القوى السياسية تائهة وصعب عليها طرح اى افكار جديدة تلم شعث الوطن..!

تختبيء القوى السياسية خلف لافتة ما تسميه (الحوار السوداني/ سوداني) وقد وجدت في هذا الطرح مخرجا لها من عجزها عن طرح افكار ذات قيمة تخرج البلاد من وهدتها. طرحت سؤالا محددا على عدد من القيادات السياسية: ما هو البديل في حالة فشل (الحوار السودانى/ سوداني) لم يجاوب على سؤالى احد ومن الواضح ان لا احد يملك الاجابة.
يخطىء من يعتقد ان الوضع بعد انتهاء الحرب سيكون فترة انتقالية كتلك التى تلت اكتوبر او ابريل، هذا وهم كبير ومضلل وخاطىء. يخطىء ايضا من يعتقد ان الاسلاميين هم من يمسكون باوراق اللعب ويديرون المشهد، فالواقع يقول ان نظام الاسلاميين قد مضي الى غير رجعة. وما تردده جماعة تقدم من اشاعات عن سيطرة الاسلاميين يتم فقط لضمان دعم الغرب والامارات لها واستمرار تدفق التمويل ، وهذه اصبحت لعبة مكشوفة للجميع
يجب التذكير ان الحرب تسببت في كراهية اجتماعية غير مسبوقة ومن الصعب الحديث عن التعايش في ظل هذه الكراهية التى تسببت فيها المليشيا بجرائمها الفظيعة ضد المواطنيين. من المؤكد أن بعض المجموعات ستجد صعوبة بالغة، هذا ان لم ترفض ابتداء، التعايش مع مجموعات اخري.
يجب ان لا ندفن رؤوسنا في الرمال عن هذا الواقع بل يجب مخاطبته. فقبل ان تندمل الجراحات التى تسببت فيها مجزرة المتمة (الخميس ١ يوليو ١٨٩٧)، عادت نفس المجموعات لترتكب مذابح ليس في منطقة واحدة، بل في العديد من المناطق لدرجة صعوبة حصرها! ووجهت كثيرا في مناسبات مختلفة بالسؤال: ان كنت ارغب في التعايش مع المليشيا؟ كانت اجابتي… لا! اعتقد ايضا ان هذا هو موقف الغالبية الساحقة من السودانيين، وبالطبع – كما هو مفهوم- كثيرون لا يرغبون في التعبير عن رأيهم صراحة!

ما يمكن قوله اننا نواجه واقعا بالغ التعقيد، وتفاعلات اجتماعية خطيرة لا احد يدرى مآلاتها. فهنالك مطالبة من المليشيا وحركة عبد الواحد بفصل دارفور، وهنالك دعوات مماثلة من مجموعات في الشرق، اما في (الشمال النيلي) فهنالك دعوات للانفصال اليوم حتى قبل نهاية الحرب، وبما اننى استطيع الادعاء بأنني اعرف الشمال، فيمكنني القول ان امر المطالبة بالانفصال امر جاد وفي كل يوم يكسب هذا التوجه انصارا جددا.
اما في الوسط وبعد المجازر المؤسفة فلا نعلم حتى اليوم موقف نخبته لتفرقها وفشلها في توحيد رؤيتها. سنعلم ذلك عندما يوحدون كلمتهم، والراجح عندى انهم سيتجهون لاتخاذ مواقف جذرية حماية لمجتمعاتهم التى فتكت بها المليشيا.
اما في جنوب كردفان فقد سبق وان طالب الحلو بتقرير المصير ولا احد يدري على وجه الدقة موقف المكونات الاخري لجنوب كردفان.
هذه باختصار صورة مختصرة جدا للاوضاع التى ستواجه الجميع بعد انتهاء الحرب.

ان (طق الحنك) الذى ظلت تمارسه القوى السياسية عن الوحدة، لن يجد له بعد الحرب انصارا بين الناس كما كان الحال في السابق. الوحدة مع من، ولماذا، وكيف… ! هذه امثلة فقط للاسئلة التى ستواجه القوي السياسية بعد الحرب، و من يريد ان يكسب الرهان عليه تقديم الاجابة عليها. في غير ذلك سينصرف الناس عنها.
يريد الناس الحلول السياسية التى توفر لهم الامن والطعام، ومن يفكر في غير ذلك فهو واهم لن يستمع له احد!
دفنت جماهير الشعب السوداني (تقدم) الاسبوع الماضي في ميدان القديس جيمس في لندن، وستدفن الجماهير في الداخل اى قوة سياسية تتخندق في الايدولوجيات او الكلام اللزج والشعارات التالفة التى ذرتها رياح الحرب وما تبعها من مآسي اجتماعية طالت الجميع.
لا تزال الفرصة متاحة للقوى السياسية لتنهض بدورها لتوحيد كلمتها والاتفاق على رؤية واحدة تخاطب جوهر الاسئلة التى طرحناها اعلاة، في غير ذلك سيتكرر مشهد التشييع في ميدان القديس جميس داخل السودان، وستدفن مجموعات كثيرة دون بواكي عليها.

هذه الارض لنا

*نشر بصحيفة اصداء سودانية بتاريخ ٦ نوفمبر ٢٠٢٤

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق