منوعات وفنون

عن صحابي بقول لكم.. وتاني برضي ح اقول لكم

خالد عبدالسلام نافع:
آسف، طبيعة الأشياء في قرية محافظة لم تصنع حبيبة ليقال عنها، فيصح الاقتباس!..
ولكن صنعت صداقات متميزة داخل كل جنس علي حدة.
سأحكي عن صداقة ثلاثية في مظهرها ثنائية في جوهرها، بين مصعب وخالد وعبدالمنعم.
في الابتدائي كنا نحرص علي ان تجمعنا كنبة واحدة، وفي المتوسطة كنا نختار ادراجنا المتجاورة بترتيب ثابت: ثلاثة ادراج متجاورة في الصف الثالث في كل فصل.
العجب في هذه الصداقة الثلاثية انها لم تكن متجانسة في ثلاثية الهوايات الاهتمامات والامزجة. بل قد تحمل تناقضا لا يعرفه الناس، فالناس دوما كانوا يروننا معا، ثلاثة، والثلاثة رهط.
هذا يفسر جوهرها الثنائي، فأنا ومصعب أصحاب تجمعنا هوايات ادبية مشتركة، لا يأبه لها عبدالمنعم كثيرا ومصعب وعبدالمنعم أصحاب لهم امزجة وأسرار (وحشية) مشتركة لا أحبها ولا أحشر انفي فيها وانا وعبدالمنعم أصحاب تجمعنا حمية العمومة في معاركنا الصغيرة ضد الغير، وتجمعنا ذكريات الخطوات الأولي ولهونا في رمال الضريح. ضريح راجل درو.
حتي مساكننا كانت متفرقة، فبيت مصعب كان أقصي القرية، وعبدالمنعم وسطها تماما وبيتنا كان قرب النيل بعيد عن الاثنين.
وحتي مستوياتنا الدراسية كانت متباينة متباعدة، في الحقيقة كان تحصيلنا الدراسي مزاجيا بحسب هواياتنا، وربما كانت الانجليزية هي المادة الوحيدة التي نالت حبنا المشترك.
لن استطيع ان اكمل قائمة التناقضات التي جمعتها تلك الصداقة الثلاثية المتينة دون أن أتحدث عن تناقض الامزجة. سأبدأ بمصعب اكثرنا وسامة وجاذبية.
عرفت كريم نيڤيا عند مصعب، كان شديد الاهتمام بترطيب بشرته وتصفيف شعره ودهنه، وترتيب ملابسه المدرسية. كان مصعب أيقونة المدرسة رغم مستواه المتوسط.، (مصعب يكن كرها عميقا لمادة الرياضيات – حبيبتي انا).
علي العكس تماما عبدالمنعم : أغبش أغبر مخشوشن جدا.. يحب البداوة والدوبيت والرجالة.. يحب اللبسة البلدية والاكلة البلدية ولا يعتبر شَعره شيئا ذا قيمة، ودائما ما كنت اضحك وانا اسمعه “يطاعن” صاحبه بقوله اخشوشنوا، فإن.”النيفية” لا تدوم، أو يلمزه بقول شغبة المرغومابية : بطنك كرشت غي البنات نافيه
دقنك حمست جلدك خرش مافيه.
انا كنت “مبشتن” نوعا ما، مهووس بالقراءة الحرة ولي مكتبة اعتني بها اكثر من ملابسي. مع روح رومانسية خيالية اكتسبتها من الأدب والروايات
القاسم المشترك الاعظم الذي جمع تلك الامزجة المبعثرة هو النيل العتيد.. فشغفنا بالسباحة والنيل كان لا يقاوم، فبينما يسرع جميع الاولاد الي بيوتهم بعد يوم (عمل) شاق، كنا نحن الثلاثة نتوجه فورا بملابس المدرسة والحقائب للبحر، ولا نعود حتي تتثاءب الشمس وتتكيء للمغيب، حتي تندر بنا احد المزارعين بقوله اظنكم يا اولاد نافع وود المختار بتلعبوا في المدرسة وتقروا في البحر.
الحب والحميمية؟ لا.. لم تتذوق تلك الفاكهة بحكم اعمارنا الصغيرة وقريتنا المتزمتة، كنا فقط نتخيل الحب تخيلا كما تصوره أشعار نزار: آهات وقبلات مع وقف التنفيذ!
تسربت السنوات الحلوة وانفرط العقد وتغربنا كل في بلد..
وذات يوم ، وانا “مجرتق” لليلة العمر، لمحت مصعبا من بعيد يسأل احد الناس عن بيت العرس، انتزعت جسمي من احد المهنئين المقالدين وركضت (في الحقيقة طرت) اليه وسط دهشة المعازيم، وعانقته طويلا.. وبكيت.
وبكت امي كذلك وقد رأتنا متشابكي الأيدي وقد البسته حريرتي نسير نحوها مبتهجين كما كانت ترانا في الصبا.
نسيت ان اقول لكم ان عبدالمنعم سمي ولده الأول مصعب.
‘*****
وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ولعله.. ادرى به.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق