مقالات
قضايا حول تأسيس الدولة
علي عسكوري:
“Full conformity of views can be achieved only at a cemetry”
Joseph Stalin
تجتمع القوى السياسة وتنفض داخل السودان وخارجه بأجندة متشابهة وايضا متقاطعة والكل يزعم انه يمتلك القول الفصل والحل المثالى لمشاكل البلاد بما فيها الحرب وادارة الفترة الانتقالية واعادة البناء واكثر من ذلك تأسبس الدولة.
ان تحاول القوى السياسية وضع تصورات وافكار في القضايا اعلاه امر جيد من حيث المبدأ، لكنى لا اعلم من واقع ما اطلعت عليه من تاريخ الشعوب ان بلدا ما اجتمع اهله للتقرير في مثل هذه القضايا المعقدة. وان كنت اعتقد ان الافضل للقوى السياسية التركيز على دعم مجهود القوات المسلحة والمستنفرين لحسم معركة الكرامة، اذ بدون الانتصار الباهر في المعركة يصبح حديثها حرثا في البحر لا طائل منه. فبدون كسب الحرب لن يكون هنالك وطن نتحدث عنه او نعيد بنائه ابتداء، فإن ضاع الوطن ضعنا جميعا و اصبحنا في عداد الامم الميته المندثرة يقراء عنها الناس في كتب ومدونات التاريخ. ذلك هو التهديد الوجودى الذي نواجهه، فإما ان ننتصر ونبقي ليواصل احفادنا حمل الرأية او تذهب ريحنا تماما وتبقي سيرتنا في ارفف المكتبات يقرأها الباحثون مع تاريخ الامم الاخري التى طواها النسيان ودفنتها رمال الصراع على البقاء بعد ان انكسرت وتهاوت.
الامر المهم الذي اود طرحه هو الفكرة الرائجة عن موضوع الحوار السوداني/ السوداني الذى تعتقد اغلب القوى السياسية انه سيكون البلسم الشافى لفشلنا الممتد منذ مشيخة سنار حتى اليوم. فكرة الحوار السوداني / السوداني وان بدت جاذبة لكنها تغفل النظر عن احتمالية حقيقية وهى الارجح عندى: ماذا لو فشل الحوار السودانى/ السودانى ولم يتفق الناس على شىء، خاصة وان تاريخ القوى السياسية يرجح كفة عدم الاتفاق؟
ماذا سيحدث وما هى التبعات السياسية التى تلى عدم التوصل لاتفاق ! لم اطلع في كل ما تنشره القوى السياسية، عن (اليوم التالى) في حالة فشل الحوار السوداني/ السوداني. ولذلك اعتقد ان ذلك الحوار يمثل زلقا يجب التريث كثيرا قبل علوه. وبدأ لى وكأن القوى السياسية تجزم بنجاح الحوار بينما كل تجاربنا تقول بغير ذلك، فما هو الجديد عند القوى السياسبة هذه المرة يا تري حتى تكون واثقة من نجاح الحوار !
من واقع اطلاعي على تاريخ العديد من الشعوب والدول حقيقة لا اعرف دولة اتفق اهلها على تأسيسها بالصورة التى تزمع بعض القوى التوصل لها من مقترح الحوار السودانى/ السوداني. ولا اعرف شعبا اتفق على تأسيس دولته بهذه الصورة، ولكن كعادة السودانيين دائما يحاولون ان ياتوا بما لم يأت به الاوائل! او كما يقول الفرنجة: اعادة اختراع العجلة.
في امريكا مثلا وهى من الدول الحديثة اجتمع سبعة من القادة (الاباء المؤسسون) واتفقوا، ثم اسست الفدرالية بي ١٣ ولاية حتى صارت على ماهي عليه اليوم، و اصبح قائد الجيش جورج واشنطن الرئيس الاول للولايات المتحدة (١٧٨٩ – ١٧٩٧) الامريكية. ولأن اى عمل انساني ليس كاملا تم تعديل الدستور الامريكي اكثر من مرة ليستوعب المتغيرات حسب مقتضي الحال، لكن القيم الاساسية للدستور فيما يتعلق بحقوق المواطنة ظلت ثابتة كما ظل مبدأ الفدرالية ثابتا.
يمكنك ايضا النظر في تجربة ” بسمارك” موحد المانيا وقد كان دكتاتورا بروستانتيا قمع الكاثلويك وعصف بهم وفعل بهم ما فعل في سبيل تحقيق هدفه، ودونك تجربة كمال اتاتورك – رغم كل ما يمكن ان يقال عنها- الا انه دون شك وضع الاسس المتينة لوحدة الدولة وبقائها وتماسكها بعد ان كادت ان تذهب ادراج الرياح، وايضا هنالك الحبيب بورقيبة مؤسس تونس الحديثة ومثله جمال عبد الناصر وهنالك ايضا الزعيم الصيني ماو تسي تونج الذى حرر الصين من الغزاة ووضع اسس الصين الحديثة.
بالطبع لكل هولاء القادة اخطائهم، ولكن الحقيقة الباقية هى انهم حافظوا على بلادهم واممهم ووضعوا لها اسسا متينة تم لاحقا تطويرها فنهضت الامة.
ليس فيما كتبنا دفاعا عن ما قام به اولئك القادة فذلك امر يخص شعوبهم لا شأن لنا به، انما فقط نشير الى تاريخ بعض الشعوب وتجاربها التى حسمت الكثير من الجدل حول الاشكالات التى واجهتها وتم حسمها، فاستقرت الامة وانتقلت الى مرحلة جديدة لبناء حياتها.
ان القضايا الشائكة الجدلية التى تواجه بلادنا – الدين والدولة، الفدرالية، الحرب والسلام، اعادة البناء، العلاقات الخارجية الخ، يصعب الاتفاق عليها في مؤتمر حوار يجمع قوى سياسية مختلفة بينها ما صنع الحداد خاصة وان لكل هذه القوى مواقف معروفة حول هذه القضايا تتمترس فيها وليس لاى منها استعدادا لتقديم التنازلات هذا من ناحية.
من الناحية الاخري فقد بلغ التدخل الخارجي في بلادنا مداه واصبحت العمالة ووكلاء الخارج يعملون علنا وبالمكشوف وهو امر سيصعب (بتشديد العين) من التقاء كثير من القوى معهم كما ان القوى الخارجية الداعمة لهم لن تترك اجندتها ولن تقبل بأن يتفق السودانيون على مبادىء لا تتفق مع اجندتها.
عامل اخر يجعل من الاتفاق صعبا هو الكراهية المجتمعية التى تسببت فيها الحرب والزعم بأن هذه الكراهية يمكن علاجها في مؤتمر جامع في حقيقته تفكير حالم في احسن الأحوال.
لكل ذلك اعتقد ان علينا ان نبحث عن فكرة جديدة ورؤية مختلفة نأسس بها الدولة فما هو مطروح من افكار اقرب الى صب الزيت على النار ومخاطرة حقيقة بتعميق التمزق الاجتماعي والسياسي الذى نعيش فيه.
اذن يتوجب على القوى السياسية الاجابة على السؤال: ما هو البديل في حالة فشل الحوار السوداني/السوداني ؟
هذه الأرض لنا
٦ مايو ٢٠٢٤