مقالات

چيڤارا الدارفوري وداعاً وفي الخالدين عبدالحميد مانيس

دكتور عبدالوهاب همت:

عندما تجلس أمامه تجذبك شخصيته بهدوء شديد ، تحركاته محدودة ، كلماته تخرج موزونه بميزان الذهب . ما أن تطرح معه موضوعاً للنقاش طالباً رأيه تأتيك المعلومات مناسبه مرتبه ودقيقه دقة ساعة الزمن، سنوات عمره الطويلة والتي قاربت عقدها التاسع لم تزده سوى نضجاً فوق نضج وسعة أفق ورحابة صدر . يبدأ معك نقاشاً محدداً دونما تشنج أو إرتفاع صوت يرنو الى ماحوله في كل الاتجاهات، ويتجول داخل أفكاره بعمق فتأتيك الفكره والمفردة كامله كما رتب لها واختار شكل اخراجها.
عندما تجلس إليه لاتحس بالملل وتنجذب الى مايقوله ، كلما يورده لك مفيد ، تمضي الساعات كومضة برق ودونما تشعر تنقضي ساعات وساعات ، لايتضجر ولايكل ولايمل ، حتى حركته وهو جالس في مقعده يتحرك حيث لاتشعر انه غير وضعيته التي هو فيها ، طوالي لقاءاتي الكثيرة والطويلة يأتي في كامل هندامه ، بعقله الحاضر بذهنه المتقد ولم يعاني من ضعف ذاكره.
كل شيء مرتب على طريقته يجذبك الهدوء بمغناطيسية عاليه ويضعك في حالة أشبه ماتكون بمثلث برمودا ، فتنصت له مانحاً أذنك وعقلك فتنفتح شهيتك لتسمع وتركز لان للحديث مابعده.
اتذكر جيداً ان دارت بيننا حوارات وحوارات في مدن ودول مختلفه، الأكثر إدهاشاً كأنه يقرأ من كتاب طوى صفحته ليعود له مره أخرى مواصلاً القراءة ، ويبدأ من حيث توقف حتى لو كان ذلك بعد أشهر.
لايدعي أمراً لايعرفه ، ولايدلي بشهادة لم يكن طرفاً فيها وتأتيك إحابته( والله ده أنا مابعرفوا) ، بينما نعيش الان في زمن مدعي البطولات والمواقف الزائفة. يحاسب نفسه بنفسه وما أشجع وأنبل وأندر من يحاسبون أنفسهم في زمان كثُر فيه تجار سوق نخاسة السياسية.
عبدالحميد بشير مانيس ( أبو الجيش) وهذا لقبه من
الذين سجلوا جزءا من التاريخ البطولي وحفرت أسماؤهم على جدران متاحف الذين ناضلوا فيها، ولكنهم كانوا وظلوا مجهولين في بلدانهم، وربما يُعاد اكتشافهم بعد عقود.
أبو الجيش بلاشك هو ” أنموذج فريد لمناضل سوداني حقيقي نازل كل الديكتاتوريات التي عاش في زمانها منذ ان إكتمل نضجه الثوري ، إنتمى لحزب الامه وظل يناضل داخله لكن وفقاً لرؤيته وتصوراته ولبي نداء العمل المسلح عند تكوين الجبهة الوطنيه، وإنضم إلى صفوفها وجاء حاملاً السلاح ليواجه النظام المايوي البغيض في يوليو ١٩٧٦.
وبعد فترة من الزمان تغيرت قناعاته وغادر صفوف حزب الأمه ، لكنه لم يغادر الثوريه التي تمكنت منه وتمكن منها.
سنوات عمره الطويله العامره وصفحاته الممتلئه بالبطولات جعلته على لسان الثوار في دارفور. وما أن يذكر إسمه تنهال جُمل الاشادة والتحيه.
هو چيڤارا دارفور بثوريته الطاغيه والتي جعلته يمنح كل حياته لشعبه ووطنه.
وضع نفسه وخبراته الطويلة بين أقرانه والشباب الذين كانوا يتحلقون حوله كأيقونه من أيقونات الثورة.
ومره اخرى وعندما تيقن أن حمل السلاح هو الحل حمل سلاحه وقدم عصارات ذخيرته النضاليه بقناعة ان نظام الاخوان المسلمين لايمكن منازلته الا بالسلاح ، فصال وجال في كل الميادين والتي لم تكن معبده لكنه ساهم في تعبيدها.
ولن أنسى أن الرجل كان رمزاً من رموز السلام والتسامح ، لكن كان على قناعة بأن لكل ظرف موقف.
بالأمس إنطوت صفحه عامره ومليئه بالثوره والثوريه ، لكن كتاب سيرته سيقرأه الناس في زمان قادم ، وسيرته العطره ستمنح ثوار المستقبل زاداً يعينهم في شق الدروب ومواجهة الصعاب.
وكما قال محجوب شريف
جيلاً جاي حلو الشهد
صبايا وصبيه يوم في صباح الغد
عيونهم برقهن لماح سؤالهم رد
ابو الجيش لم يحيد عن الطريق الذي سلكه لمازاد عن النصف قرن من الزمان ، وإختار لنفسه الاستشهاد في ساحة الوغي مكللاً سيرته الفواحه بعبق الشهادة الغالي الثمن ، وفي الميدان الذي لايلج اليه كل الناس ولا الطريق الذي لايسلكه الا أصحاب القضايا الحقيقية ممن إختاروا خياراتهم.
يا أبا بشير ، عزائي الحار لكل من عرفك وتتلمذ على يدك وسار معك الدروب العطرة.
وعلى نهج الشاعر الرمز محمد المكي ابراهيم
الذين إحتقروا الموت وعاشوا في يد الشعب مشاعل
الذين حصدوا في ساحة المجد فزدنا عددا.
إنه الايام بالشعب والوطن.
نم هانئاً فالراية لن تسقط وسوف يتلقفها الثوار ثائراً بعد ثائر.
ولك المجد والسلام والإحترام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق