مقالات
الموت سَمبلة (٢).. الحَذَر والحَيطة
د.معاوية عبيد:
الشعب السوداني شعب عفوياً لا يأخذ الأمور مأخذ الجد، وتجده في احيانٍ كثيرة لا يلقي للأمور بالاً ، وبطيبته وعفويته هذه أدخل الأجانب إلي دياره و أرضه و أكرم وفادتهم ، ولا يدري أن هؤلاء يحملون حقداً وغلاً أعمي عليه ، هو يجمع الطيب لهم و الحطب ليوقد به نار أكلهم ، وهم يجمعون الخبيث و الحطب لاحراق هذا السودان واحراقة أبنائه، يستخدم السودانيون تعبير ” الموت سَمبله” لوصف الموت المجاني، وينطبق هذا الوصف بشكل كبير علي العدد الكبير من الذين ماتوا و فقدوا ديارهم و انتهكت اعراضهم و نهبت اموالهم وشردوا من ديارهم خلال هذه الحرب اللعينة ، التي اوقدها سياسي هذه البلاد و المثقفين من ابنائه واوقدها الشعب نفسه ، في بعض مدن البلاد المختلفة ، وقد تجاوز عدد الموتي ” السَمبله” خلال هذه الحرب اللعينة اكثر من مليون شخص لأسباب مختلفة ولكنها مرتبطة بالإهمال فمنهم من مات علي ايدي المرتزقة الاوباش وهو يدافع عن أرضه وعرضه ومنهم من مات في الطريق وهو فار بجلده من بطش هؤلاء التتار ومنهم من مات في الصحراء وهو يبحث عن وطن آمن وطن ليس فيه خونة ولا عملاء
و لا استغلالين ولا أولئك الانتهازيون الذين يأخذون بمقولة ( مصائب قوم عند قوم فوائد ) ، في هذه النقطة مات ( سَمبله) كثير من ابناء وطني الذين زحفوا نحو المناطق الآمنة ، فعلاً آمنة فقد أمنها الجيش وبقية القوات النظامية ، لكنها كانت قاسية من حيث الجشع و الطمع من الانتهازيين ، كانت الأسعار غالية وكل يريد أن يذبح الآخر ، فمات الكثيرين عندما لم يستطيعوا أن يقاوموا تلك الامواج الهادرة من ( الإيجارات، العلاج ، الاكل، عدم اهتمام بعض المسؤلين و لجان الاحياء الذين لم يرعو الله في توزيع الإعانات و إيصالها لمستحقيها بصورة عادلة وغيرها من الاهمالات التي ترفع السكري وتؤدى الي الذبحة الصدرية ) ، الشعب السوداني لم يتعظ من تصاريف الزمن وقد ( مات سَمبله ) عشرات المرات بعفويته هذه وأولها عندما هاجم جنود التعايشي ديار الآمنين فقتلوهم واغتصبوا نسائهم واحرقوا الأخضر و اليابس ومات الناس سَمبله ساااااكت ،و في سبعينيات القرن الماضي عندما احرق ابناء جنوب السودان الخرطوم ( ونحن نغني معهم كلنا إخوان ) ، ولولا عناية الله ولطفه ويقظة القوات النظامية لكانت المحرقة لكل الشعب والموت سَمبله سااااكت لكل الشعب السوداني ، وتكرر نفس المشهد عند وفاة قائدهم جون قرنق، وفي كل تلك الأحداث لم يتعظ الشعب السوداني و يأخذ الحيطة والحذر ، واصبح عدد الاجانب في ازدياد و الشعب السوداني في غفلة إلي أن جاءت ، حرب بسوس الجنجويد الذين هتفنا لهم ، ولكنهم أحرقوا الأخضر واليابس ، جاءت هذه الحرب من جيراننا و من أُناس كنا نقتسم معهم اللقمة ، ونبتسم معهم و نحن في ود مدني ، لكنهم كان يحملون حقداً وغلاً وهم يضحكون علي سذاجتنا ، كل شعوب العالم تضحك علي سذاجة الشعب السوداني ، حيث جاء اليوم المشؤم و اتضح من يضحك علينا ومن يبكي معنا ، ونحن نموت سَمبله ساااكت ، ولا أحد يقيف معنا في محنتنا إلا قليل منهم ، رغم أننا احتضنا كل الأمة العربية و الأفريقية في ديارنا وفديناهم بارواحنا عندما اشتدت بهم الكرب ودافعنا عنهم وعن قضاياهم بارواحنا و أموالنا ودمائنا ، ولكن رغما عن ذلك ورغم أن آور هذه الحرب لم ينتهي بعد إلا أننا لم نتعظ ولم نأخذ حذرنا ، فتلك هي الولايات الآمنة ، ما زال اهلها في غيهم يعمهون، رغم تكدسها بالنازحين و الفارين من جحيم الحرب ، وهذا يتطلب عين ساهرة و يقظة عالية وحراسة مشددة ، حسنا فعلت القوات النظامية و المستنفرين من ارتكازات ، لكن هذه الارتكازات و المناطق الآمنة تحتاج لصدق النوايا و الحيطة و الحذر لأن اي تغافل أو تهاون سيؤدى ذلك الي فقدان كل البلاد وما ولاية الجزيرة و مدينة ود مدني عنا ببعيد ، لابد من أخذ الحيطة والحذر فقد كان النَّبيُّ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم سَيِّدَ المتوكِّلين، وإمامَ المتَّقين، قد عصَمَه اللَّهُ سُبحانَه من أن يَصِلَ إليه أحدٌ بسُوءٍ، ومع ذلك فقد كان صلَّ اللهُ عليه وسلَّم يأخذُ بالأسبابِ مع الحَذَرِ والحَيطةِ في أمورِه، سواءٌ تعَلَّقَت به أو بأمورِ المُسلِمين ، قال القاضي عِياضٌ في بيانِ ما كان عليه صلَّ اللهُ عليه وسلَّم من الحِرصِ والحَذَرِ والحَيطةِ في أمورِه: (كان رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يؤلِّفُهم ولا يُنَفِّرُهم، ويُكرِمُ كريمَ كُلِّ قومٍ ويُوَلِّيه عليهم، ويحذَرُ النَّاسَ ويحتَرِسُ منهم، من غيرِ أن يطويَ عن أحدٍ منهم بِشْرَه ولا خُلُقَه) .
– فقد اختبأ النَّبيُّ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم في غارِ ثَورٍ أثناءَ هِجرتِه هو وصاحِبُه أبو بكرٍ، وأخذ بكُلِّ وسائِلِ الحَيطةِ والحَذَرِ؛ تقولُ عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عنها: (ثمَّ لَحِق رسولُ اللَّهِ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكرٍ بغارٍ في جَبَلِ ثَورٍ، فكَمَنا فيه ثلاثَ ليالٍ) .
وما فَعَل صلَّ اللهُ عليه وسلَّم ذلك إلَّا من أجْلِ أن تَتِمَّ هِجرتُه إلى المدينةِ، مع كونِه صلَّ اللهُ عليه وسلَّم مُستشعِرًا لمعيَّةِ اللَّهِ تعالى، إلَّا أنَّه كان حَذِرًا من إدراكِ المُشرِكين . وعن البراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما يحَدِّثُ، قال : ((جعل النَّبيُّ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم على الرَّجَّالةِ يومَ أحُدٍ ، وكانوا خمسينَ رَجُلًا ، عبدَ اللَّهِ بنَ جُبَيرٍ، فقال : إن رأيتُمونا تخطَفُنا الطَّيرُ فلا تَبْرَحوا مكانَكم هذا حتَّى أرسِلَ إليكم، وإن رأيتُمونا هَزَمْنا القومَ وأوطَأْناهم فلا تَبرَحوا حتَّى أُرسِلَ إليكم)) .
كل هذه المواقف لسيد المرسلين المعصوم ، و المحفوظ بعناية الله و رعايته الا أنه كان يأخذ الحيطة والحذر ويُعلم صحابته ذلك ، و لكن نحن غافلين، و ماتشهده الولايات الآمنة من اكتظاظ من الفارين من جحيم الحرب في ولاياتهم في ظل سيولة امنية بكافة ارجاء البلاد يتطلب ذلك الحيطة والحذر ، و انتشاراً لكل القوات النظامية يعاونهم المستنفرين وكل أهل المنطقة و يكونون عيونا لاتعرف للنوم سبيلا ، ويخرجون كل خبيثة تريد أن تعكر صفاء وسماء تلك الديار الآمنة ،أو تعكر سماءها اليوم بمسيرات وغد تروي ارضها بدماء طاهرات ، وما نشاهده هذه الايام من مسيرات ضربت ولاية نهر النيل أكثر من أربعة مرات وأصبحت تتكرر يوميا ، ونسمع أنه تم ضبط عدد من الخلايا و الخونة والمرتزقة بمدن وقري الولايات الآمنة ، هنالك سؤال يطرح نفسه ، كيف عبر هؤلاء الي تلك المدن و القري البعيدة ؟ رغم أنهم لا يعرفون عنها شيئا إلا أن يكون لديهم عيون هنالك أو متعاونين معهم أو أن هنالك طابور خامس ، رغما أن هنالك العديد من زملائي كتاب الاعمدة قد نبهوا الي ذلك وكثيراً من الأحداث كما اسلفت قد وقعت لكننا في غفلة سااااااااهون وسنموت جميعا سَمبله ساااااكت.
شعبي الكريم عاملوا الخونة والمرتزقة بالقوة وليس اللين و السذاجة ولنا في رسول الله صل الله عليه وسلم أسوة حسنة في أخذ الحَيطةِ والحذر
ويقول الشاعر أحمد شوقي:
والشرّ إن تلقَهُ بالخير ضقتَ بهِ
ذرعًا وإن تلقهُ بالشرّ ينحسِمِ.
وقال الفند الزماني:
وفي الشَرِّ نَجَاةٌ حينَ
لا يُنْجِيكَ إِحْسَانُ.
وقال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا
فنجهلَ فوق جهلِ الجاهلينا.
اللهم عليك بالخونة والمرتزقة ومن عاونهم و عليك باليهود فإنهم اعداء الله ورسوله وإنهم لا يعجزونك ، اللهم انصرنا قواتنا المسلحة وكل القوات النظامية و المستنفرين واجعل بلادنا آمن مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.