كتب- يوسف عركي:
تلقيت أكثر من رسالة فى بريدى لماذا لم تكتب عن تحرير سنجة ..؟ وأنا الذي عشت فى احضانها أكثر من ثلاثة عقود من الزمان، أمشى فى الناس بالحسنى، وأسعد بمقابلة الجميع لى واحترامهم لشخصي الضعيف.
سنجة الحبيبة والتي أتيت إليها قادما من جزيرة الخير مساعد مفتش للإعلام فى الدرجة التاسعة كمدخل للوظيفة الجامعية، وبعبارة لطيفة قال لي ود المدني مدير إدارة شؤون العاملين بولاية الجزيرة : “إذهب يا بنى ونفذ النقلية وبعد أسبوع ستعود ادارجك إلى الجزيرة”.
ذهبت ولم أدر أن عمرا بحاله أنفقته فى حضرة المعشوقة سنجة، حزمت أشيائي وحقيبة صغيرة فى يدي مودعا أسرتي والتي كانت تفضل أن أكون موظفا بمدينة ودمدني والتي تبعد عن قريتي بضعة كيلومترات ، ولكنها الوظيفة وأحلامنا التي تولد صغارا ثم نقطف ثمارها كبارا.
ذهبت إلى سنجة تسبقني دعوات الأهل بالتوفيق والسداد، وأصدقكم القول إنني منذ اللحظة الأولى وأنا ألج أبواب المدينة أحسست بعمق الإلفة التى تربطني بسنجة التاريخ والجغرافيا والإنسان ، بلد المكوك والملوك ..عرفت قيمة الانسان وهذا التواصل الحميم الذى ينفرد به انسان سنجة دون سواه ..بصمة من العلاقات الإنسانية..وفيض من المشاعر العميقة تغمرك فى حضرة الجميع ..
وسنجة والتى لم تضن على احد بالبقاء فى دورها ومساكنها ومكاتبها وارضها ونيلها وبساتينها وانسانها الذى يبذل لك كل المعروف دون مقابل ..واول طلع هذا المعروف ابتسامة ودود ووجه طلق ، ان العبارة التى نرددها كثير ان الاحتفاء بالزائر يكون بفتح القلوب قبل البيوت ، جسدتها سنجة فى مراسم الاحتفاء بالقادمين إليها.
وما يميز سنجة والتي طالتها يد الغدر والخيانة هذا النسيج الاجتماعي المترابط ، وان أيدي التمرد الآثمة وعصابة آل دقلو الإرهابية والتي حاولت ضرب هذا النسيج المترابط فى مقتل باستباحة حرماتها وتشريد إنسانها لم تفلح في ذلك رغم انجراف بعض ضعاف النفوس إلى صفوفها والارتماء فى أحضان العمالة والإرتزاق.
قالها أحد أعوان المتمرد الهالك حميدتي فى زيارة سابقة إلى سنجة قبيل الأحداث الأخيرة: “بلدكم دى فيها الهوسا والفلاتة ومساليات وكنانة وعرب وزرقة ومافيها حرابة ودشمان نهاية اليوم” فكانت الإجابة من الجميع أن الكل يتعايش في سلام ويعود إلى أحضان أسرته عند مغيب الشمس يحمل ما كسبه من أنعم الله من خير كثير ورزق وفير لاهجا بالحمد والشكر والدعاء .
وحسدا من عند أنفسهم أردات تلك الطغمة الفاسدة والحاقدون على مجتمع المدينة لغاية في نفوسهم المريضة أن يقدموا قربانا للقوات الغازية ويمهدوا لها الطريق في استباحة المدينة ويحسبون أن الأمر هين وهو عند الله العظيم، فكانوا هم أول الفارين عندما اندلعت الحرب لتقضي على الأخضر واليابس.
عادت سنجة بفصل الله وبفضل مجاهدات قواتنا المسلحة تاج عز وفخر وعنوان هذا البلد، والرمزية التي وحدت وجدان أهل السودان إلى جانب القوات المساندة الأخرى من القوات النظامية والمساندين والمستتفرين والمجاهدين، عادت سنجة لأن الهتاف الذي يعلو الحناجر الصادقة وتسبقه عظيم الفعال أقوى من صدى البراميل الفارغة.
عادت سنجة وفى القلب شئ من حتى،، أن تعود الجزيرة الخضراء إلى حضن الوطن عزيزة كريمة، الجزيرة الوادعة وإنسانها المسالم الذي لم يعرف الحقد طريقا إلى قلبه، ينام ملء جفونه نقي السريرة والفؤاد، ويصحو على نداء الفجر وفي يده مسبحة وإبريق، تتسابق خطاه نحو المساجد. الجزيرة التي لم تبخل بخيرها على الآخرين تنتظر اليوم وعلى أحر من الجمر مواكب الفاتحين، الجزيرة التي شرد أهلها وهجروا قسرا من أرض المحنة، يتوق أهلها إلى فجر الخلاص وإن غدا لناظره قريب.