مقالات

الموت سَمبلة (٣)

صوت القلم

د.معاوية عبيد:

عندما سُئل الكاتب الروسي أنطون تشيخوف عن طبيعة المجتمعات الفاشلةأجاب:
“في المجتمعات الفاشلة، يوجد ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية، تظل الغالبية بلهاء دائمًا، وتغلب العاقل باستمرار، فإذا رأيت الموضوعات التافهة تتصدر النقاشات في أحد المجتمعات، ويتصدر التافهون المشهد، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جدًا ،فعلى سبيل المثال، الأغاني والكلمات التي لا معنى لها تجد ملايين الناس يرقصون ويرددونها، ويصبح صاحب الأغنية مشهورًا ومعروفًا ومحبوبًا، بل حتى الناس يأخذون رأيهم في شؤون المجتمع والحياة ،أما العلماء والكتاب والمؤلفون، فلا أحد يعرفهم ولا أحد يعطيهم قيمة أو وزنًا، معظم الناس يحبون التفاهة والتخدير، شخص يخدرنا ليغيّب عقولنا عنا، وشخص يضحكنا بالتفاهات، أفضل من شخص يوقظنا للواقع ويؤلمنا بالقول الحق، ولذلك فإن الديمقراطية لا تصلح للمجتمعات الجاهلة، لأن الأغلبية الجاهلة هي التي ستقرر مصيرك”.
يستخدم السودانيون تعبير ” الموت سمبلا” لوصف الموت المجاني، وينطبق هذا الوصف بشكل كبير علي العدد الكبير من الذين ماتوا و فقدوا ديارهم و انتهكت اعراضهم و نهبت اموالهم وشردوا من ديارهم خلال هذه الحرب اللعينة ، التي اوقدها سياسي هذه البلاد و المثقفين من ابنائه واوقدها الشعب نفسه ، في بعض مدن البلاد المختلفة ، وقد   تجاوز عدد الموتي ” السمبلة” خلال هذه الحرب اللعينة اكثر من مليون شخص لأسباب مختلفة ولكنها مرتبطة بالإهمال فمنهم من مات علي ايدي المرتزقة الاوباش وهو يدافع عن أرضه وعرضه ومنهم من مات في الطريق وهو فار بجلده من بطش هؤلاء التتار ومنهم من مات في الصحراء وهو يبحث عن وطن آمن وطن ليس فيه خونة ولا عملاء
و لا استغلالين ولا أولئك الانتهازيون الذين يأخذون بمقولة ( مصائب قوم عند قوم فوائد ) ، في هذه النقطة مات ( سَمبله) كثير من ابناء وطني الذين زحفوا نحو المناطق الآمنة ، فعلاً آمنة فقد أمنها الجيش وبقية القوات النظامية ، لكنها كانت قاسية من حيث الجشع و الطمع من الانتهازيين ، كانت الأسعار غالية وكل يريد أن يذبح الآخر ، فمات الكثيرين عندما لم يستطيعوا أن يقاوموا تلك الامواج الهادرة من ( الإيجارات، العلاج ، الاكل، عدم اهتمام بعض المسؤلين وغيرها من الاهمالات التي ترفع السكري وتؤدى الي الذبحة الصدرية ، وواحدة من أنواع هذا الاستغلال رفع سقف الايجار اللي اصبح بالمليار ، اصبح الناس تزيد اصفار الغرفة في أقصي اصقاع قري السودان النائية ( اللي ما كانش بتحلم بالايجار ) اصبحت بمليار، و السماسرة علي قفا من يشيل وكلهم جالسين مع ستات الشاي منذ الصباح الباكر حتي المساء ولولا الحظر لظلوا قابعين حتي فجر اليوم التالي و ( مالهمش علاقة بحد ) فهم مستمتعون بما يجدونه من ما أخذوه من دم المواطن ، واصحاب العقارات اصبحوا عاملين ( يتعزز الليمون ) …. و المواطن المسكين يموت سَمبله ساااكت .
اما الجامعات حدث ولا حرج لم تضع اصفار بل وضعت أرقام صحيحة ديل أهل التعليم في وضع أليم الجامعة اللي بمليون أصبحت بأثنين وثلاثة مليون دا غير مصاريف الطالب اليومية والدراسية، وإذا كنت من الذين يريدون التحويل من جامعة إلي أخري فهذه قصة ذبح أخري ،أما إذا كانت جامعتك مستضافة في جامعة أخري أو خارج البلاد ، فعليك
لذلك قرر الشعب السوداني حمل عصا الترحال والخروج الي خارج الديار … حتي لو أدى ذلك للمجازفة بحماته وحياته وعياله… لان المقارنة أصبحت اللي بيأجر ليك شهر في السودان يأجر ليك اربع أشهر في ارقي حي في القاهرة واللي بيوكلك شهر في السودان بيوكلك ستة أشهر في ارقي المطاعم في دبي و اللي بيقريك سنة في السودان بتتخرج بيه من ارقي واقوي الجامعات في تركيا ( ما تتفلسف و تقول لي تضخم ودولار) … دا جشع وطمع وعدم رقابة ذاتية للضمير الإنساني وعدم رقابة من الدولة التي أصبحت تتفرج علي الإنسان يذبح أخيه الإنسان داخل وطنه بطرق عديدة … اي نعم القوات المسلحة و كل القوات النظامية تدافع عن الشعب و تقضي علي التمرد الذي يريد ذبح المواطن السوداني ويحتل أراضيه لكن المؤسسات الحكومية المنوط بها حماية المواطن من أخيه المواطن تغض الطرف بل تفرض ( أتاوات ) علي المواطن المسكين وهذه واحدة من أنواع الموت سَمبلة في بلادى، فإذا سألت عن المستشفيات فإن دخلتها ستأخذ الموت سَمبله بقروشك ، أما دور الايواء فحدث ولا حرج …. وأني سألت عن الإغاثة فقد سألت عن عظيم ….( تشاهد غداً ) ، أما السوق ، فأصبح كالصراط المستقيم عندما تمر به يجب أن تمر مستقيماً ، فإن كان بنكك مليان أو جيوبك منتفخة ستمر دون شك و تأخذ ما لذ وطاب من الاعتاب ، أما إن كنت من اصحاب المرتبات فعليك بالثبات والسير دون النظر يمنة أو يسرة فاذا التفت ستقع في نيران الأسعار و تصطلي بكلام التجار لذلك عليك بالفرار وان تلزم الدار وعليك بالأسودين الماء و التمر ، واذا اطفالك جياع فأوقد النار وضع عليها الحجار ، لكن ليس في زماننا هذا عُمر ، وستموتون سَمبلة … ( و المواجع رااااااقدي ) .

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق