حوارات وتحقيقات
بيان مهم من الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدُّعاة في الموقف من هفوات العلماء
﷽
الحمد لله القائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8] .
أمّا بعد :
• فإنّ من أعظم المحرمات وأشنع المفاسد إشاعة عثرات العلماء وهفواتهم وتتبع زلاتهم والقدح فيهم وإشاعة غلطاتهم وأقبح من هذا وأشنع إهدار حقوقهم فلا يُحفَظَ للعالِمِ قَدْرُه، وتُجحَدُ مَحاسِنُه ، كما هو دأب أهل البغي والعدوان ، من قالة السوء ودعاة الفتنة .
وبناءً عليه :
• فهذه جمل شرعية وحقائق جلية يطرحها الاتحاد السوداني للعلماء والأئمّة والدُّعاة تبياناً للحق ونصحا للخلق ،فيما ينبغي أن يكون عليه عامّة النّاس وخاصتهم عندما تقع من أكابرهم بعض الهفوات والعثرات من قولٍ أو فعل فنقول وبالله التوفيق .
♦️ أولاً : لقد أناط الله مسؤولية قيادة الأمّة بصنفين من الناس هما : (العلماء، والأمراء) وأوجب على النّاس طاعتهما والانقياد لهما فالواجب على قادة المسلمين من العلماء والأمراء وغيرهم الاهتمام بكل مصيبة تحل أو نكبة تقع، وأن يكون ولاة الأمر من الحكام على صلة بالعلماء فيعززوا الثقة والصلة بينهم ويتعاونوا على البر والتقوى ، فيحكِّمون شريعة رب العالمين ، ويصدون ويردون الإثم والعدوان عن المؤمنين ويحمون بيضة الدين .
♦️ثانياً : إنّ على العلماء والدُّعاة وحملة الأقلام مسئولية كبيرة أمام الله في تبصير الأمراء والحكام ورعيتهم ، وإرشادهم وبيان الحق لهم، سيما وقت الحاجة إلى بيانه ،فيتوجب عليهم أن يقوموا ببذل النصيحة المفروضة عليهم ،كما قال النبيﷺ«الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا : لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ»[رَوَاهُ مُسْلِمٌ] وعلى ولاة الأمر الاستماع لنصح الصادقين المخلصين من العلماء الربانيين ،وأن يكفوا عن إقصاءهم واتهامهم بالباطل وأن لا يسمعوا لقالة السوء والوشاة بهم
♦️ثالثًا : من سنن الله الكونية وجود الخلاف بين الناس قال تعالى(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) هود ١١٩,١١٨ فلابد من وقوع الخلاف ولا مفر من تباين الآراء ولكن الذي يرفضه دين الإسلام وينهى عنه ويسدّ ذرائعه : أن يؤدي هذا الاختلاف إلى النفرة والقطيعة والتشاحن والتباغض بين المتخالفين ،ِفمن عظائم الذنوب ومن أسباب خراب الشعوب أن يكون مجرد الخلاف سببا للقذف والتحريض والتحزب المقيت .
♦️رابعًا : إنّ الخلاف الذي يقع بين العلماء والولاة إنّما يتقوى به عدوهم والجفوة التي وقعت بين بعض رموز العلم والدّعوة في بلادنا السودان ما من شك أنّ المستفيد الأول منه هم أعداء السودان ؛ فما أشد فرحهم بنزاع قيادات البلاد العسكرية والسياسية والعلمية ؛فالخصومة بين العلماء والولاة سببٌ لهلاك البلاد بيد أبناءها في حرب بلا معركة، وخسارة بلا مقارعة عدو. فيتوجب على الجميع أن يتقوا ربهم ويثوبوا إلى رشدهم ويصلحوا ذات بينهم ففي اجتماع كلمة العلماء مع الولاة ووحدة صفهم قوتهم وعزهم ونصرهم وفي افتراقهم واختصامهم ضعفهم وذلهم وذهاب ريحهم قال تعالى ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ الأنفال٤٦
♦️خامسًا : يجب التصدّي لمروّجي القيل والقال ودعاة الفتنة الذين ينشطون لخلق فجوات بين العلماء والولاة عبر ترويج مقالات ومقاطع لبعض العلماء والدُّعاة ،ويتبعهم في ذلك من لا خلاق لهم من ضعاف النّفوس سواءً الإعلاميين أو السياسيين فيتلقفون هفوة العالم ويطيرون بها ويتخذوها ذريعةً للطعن في الدّين وتعاليمه والإسلام وشريعته والانتصار لباطل العلمانية ودُعاتها فإنّ من يتتبع زلات العلماء ويطير بها ويروج لها في منصات الإعلام ماهو إلا عدوٌ خبيث ماكر يريد تفتيت وحدة السودانيين، وإحداث الفرقة بين صفوفهم، وإضعاف معنوياتهم وتحطيم بنيانهم وتماسك صفهم الداخلي في معركة الكرامة فالحذر الحذر منهم فجرائم ميليشيا الدّعم السريع المفسدين في الأرض من قتل ونهب واغتصاب هي قضية العصر ودفعهم هو واجب الوقت ولا ينبغي أن ينشغل الناس عنه بغيره.
♦️سادسًا : موقف أهل العدل و الإنصاف من العالم إذا أخطأ هو : التِماسُ العُذْرِ له، وإحسانُ الظَّنِّ به ؛قال العِزُّ بنُ عَبدِ السَّلامِ: (لو رُفِعَت صغائِرُ الأولياءِ إلى الأئِمَّةِ والحُكَّامِ لم يَجُزْ تَعزيرُهم عليها، بل يُقيلُ عَثرَتَهم، ويَستُرُ زَلَّتَهم، فهم أَولى من أُقيلَت عَثرَتُه، وسُتِرَت زَلَّتُه) فليست العصمةُ لأحد بعد رسول الله ﷺ إذ لا يسلم عالِمٌ من خطأ، ومن أخطأ لا يُتابَع على خطئه، ولا يُتخذ ذلك الخطأ ذريعة إلى عيبه والتحذير منه، بل يُغتفر خطؤه القليل في صوابه الكثير،و يُنبَّه على خطئه برفق ولين ومحبَّة لسلامته من الخطأ ورجوعه إلى الصواب.
• فالخطَأَ وارِدٌ على جميعِ البَشَرِ، فهو من مُقتضى طبيعَتِهم، والخَطَأُ لا يَستلزِمُ دائِمًا الإثمَ، بل المجتَهِدُ المُخطِئُ مأجورٌ بإذْنِ اللهِ تعالى. والعُلَماءُ كغَيْرِهم من عامَّةِ النَّاسِ، عُرضةٌ للخَطَأِ والنِّسيان ،والعلماء والدُّعاة والصَّالِحون ليسوا بمعصومينَ، من الوقوع في الخطأ ، وقول خلاف الأولى أو فعله وما اجتهدوا فيه قد يُصيبون تارةً و يُخطِئون تارةً؛ فإذا اجتَهَدوا فأصابوا فلهم أجرانِ، وإذا اجتَهَدوا وأخطَؤوا فلهم أجرٌ على اجتهادِهم وخَطؤهم مغفورٌ لهم قال الطَّحاويُّ: (أهلُ الخَيرِ والأَثَرِ، وأهلُ الفِقْهِ والنَّظَرِ، لا يُذكَرونَ إلَّا بالجَميلِ، ومن ذَكَرَهم بسُوءٍ فهو على غَيرِ السَّبيلِ) وقال ابنُ القَيِّمِ: (من قواعِدِ الشَّرعِ، والحِكمةِ أيضًا: أنَّ مَن كَثُرت حَسَناتُه وعَظُمَت وكان له في الإسلامِ تأثيرٌ ظاهِرٌ، فإنَّه يُحتَمَلُ له ما لا يُحتَمَلُ لِغَيرِه، ويُعفى عنه ما لا يُعفى عن غيرِه؛ فإنَّ المعصيةَ خَبَثٌ، والماءَ إذا بَلَغ قُلَّتَينِ لم يَحمِلِ الخَبَثَ) وقال ابنُ القَيِّمِ أيضًا : (من له عِلمٌ بالشَّرعِ والواقِعِ يَعلَمُ قَطعًا أنَّ الرَّجُلَ الجليلَ الذي له في الإسلامِ قَدَمٌ صالحٌ وآثارٌ حَسَنةٌ، وهو من الإسلامِ وأهلِه بمَكانٍ: قد تكونُ منه الهَفوةُ والزَّلَّةُ هو فيها مَعذورٌ بل ومأجورٌ لاجتهادِه؛ فلا يجوزُ أن يُتَّبَعَ فيها، ولا يجوزُ أن تُهدَرَ مَكانَتُه وإمامَتُه ومَنزِلَتُه في قُلوبِ المُسلِمينَ)
♦️سابعًا : الواجب هو إسداءُ النصح للعالم إن وقع في زلةٍ أو هفوة فالعالِمُ كغَيْرِه من النَّاسِ له حَقُّ النُّصحِ إذا أخطَأَ والواجب عليه إن علم أنّه أخطأ في التقدير وقال خلاف الأولى أن يبين الصواب الذي ينبغي أن يقال ويذاع وينبغي مُراعاةُ الإخلاصِ للهِ تعالى في كل هذه الأحوال والأقوال ، وأن يكونَ القَصْدُ منها الإصلاحَ وإظهارَ الحَقِّ وعلى القائد إن أغلظ عليه العالم أن يتحمل ويتصبّر فكم وكم سمع القائد من القيل والقال وقد تحمّل الكثير فلم يضيق ذرعاً بقيل وقال أفما كان العلماء أحق وأولى بالصبر عليهم وتحملهم وإحسان الظنّ بهم
♦️ وفي الختام يثمن العلماءُ والدُّعاة الجهود الكبيرة من الفداء والبذل والتضحية التي تقوم بها القوات المسلحة في بسط الأمن وكسر شوكة البغاة المحاربين ويشيدون بالأداء العسكري المتميز والتضحيات العظيمة التي تقدمها القوات المسلحة، وجهاز المخابرات، وشرطة العمليات، والقوات المشتركة والمستنفرين ويؤكدون القول بأنّ التفاف الشعب السوداني حول قيادة الجيش يمثل إجماعا غير مسبوق، لأنّه حامي الحمى ولأنه مؤسسة الشعب منه وإليه ومواقف الجيش في الدفاع عن البلاد والعباد لاينكرها إلا مكابر وخصم فاجر ويؤكدون أنّ المقاومة الشعبية إنّما انتظمت استجابةً لنداء القائد الأعلى للقوات المسلحة وكردة فعل طبيعية لما يقوم به المفسدون في الأرض من جرائم وأنها داعم ومساند للجيش وردء له وتأتمر بأمره وتصدر بتوجيهه .
• اللهم جنب السودان مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن
الأمانة العامّة