مقالات
خروج فرنسا من دول حزام الغرب الإفريقي عبر بوابة السودان
إمرأة إفريقية لماكرون في مؤتمر الشباب لدول الغرب الإفريقي(لو لم تنظف الطعام الفاسد إفريقيا لن تأكل منه) (٣)
بقلم الصادق علي حسن:
التجربة السودانية (الوحيدة التي لم تنجح):
خضع السودان للإستعمار البريطاني ، الذي لم يكن إستيطانيا كالإستعمار الفرنسي ،وعند خروج الإنجليز من مستعمراتهم السابقة تركوا أنظمة ومشروعات دول كبرى في استراليا وكندا والسودان والهند .دولة الهند كانت ولا تزال من أكثر الدول التي تعج بالتعدد العرقي والثقافي واللهجات ،وتتنافس الهند والصين من حيث الترتيب على مرتبة أكثر دول العالم سكانا ،ومع بداية عام ٢٠٢٤م بلغ تعدد سكان الهند (1.435) مليار نسمة، وبالرغم من انتشار الأمية والفقر صارت الديمقراطية بالهند من أكثر نظم الديمقراطيات استقرارا في العالم . دولة الهند أغلبية سكانها تدين بالديانات (الهندوسية ٨٠ %) و (الإسلام ١٤%) و (المسيحية ٣%) و(السيخ ٢%)و (ديانات أخرى ١%) ووصل إلى رئاسة الدولة ثلاثة رؤساء يعتنقون الديانة الإسلامية وهم د ذاكر حسين ٦٧- ٦٩ وفخر الدين علي أحمد ٧٤-٧٧ وأبوبكر عبد الكلام في عام ٢٠٠٢م .
السودان الغنية بالموارد ، وقد نال استقلاله في عام ١٩٥٦م ، تركا له الاستعمار وأحدة من أفضل نظم الخدمة المدنية والإدارية في العالم بعد أن ربط البلاد بسكك الحديد، الوسيلة الاقتصادية للنقل والسفر، ومشروع الجزيرة، واسس التعليم المتطور وكانت المستعمرة السودانية يتم الدخول إليها لأغراض الإستثمار بعد إبراز شهادة قدرة مالية ، والجنيه السوداني قيمته أكثر من ثلاثة ونصف الدولار الأمريكي . قواعد تأسيس الدولة السودانية النافذة لإقرارها ديمقراطيا بالتشريع نصت على أن دولة السودان دولة مدنية ديمقراطية فدرالية يتم إنتخاب نوابها للجمعية التأسيسية لإنتخابات تأسيسية من كل أقاليم السودان لوضع وإقرار الدستور الدائم للبلاد تلك الآلية التأسيسية المنشأة بالتشريع الدستوري الصادر في ١٩ / ١٢/ ١٩٥٥م وإنطلاق بداية جلسات تأسيس الدولة الدولة في ١٩/ ١٢/ ١٩٥٥م التي إستمرت لتنتهي في آخر جلساتها بإنشاء آلية أخرى تشريعية تختص بسن وإلغاء القوانين العادية فقط وهي البرلمان بموجب المواد ٤١ و٤٢ حتى ٨٥ من وثيقة دستور السودان ١٩٥٦م المؤقت بجانب النص فيها على تأسيس مجلس وزراء مدني خالص والمؤسسات الدستورية الأخرى مع بيان تفاصيل سلطات وإختصاصات وإجراءات عمل مجلس السيادة المنشأ ضمن قواعد التشريعات الدستورية التي تأسست عليها إعلان استقلال السودان في اليوم الأول من بدأ جلسات التأسيس آنف الذكر ، ومع ذلك لا تزال النخب المتعاقبة السياسية والمدنية تبحث عن التأسيس الدستوري، بالرغم من وجودها في شكل تشريعات دستورية مدنية ديمقراطية مكتوبة، نافذة وصادرة من جهاز الدولة المختصة بالتشريع ديمقراطيا ولا تنقضي الا بتمام وضع وإقرار آلية آلية الجمعية التأسيسية الصحيحة للدستور الدائم ، وبمثلما هو في السابق فأن ما حدث في جنيف برعاية منظمة بروميديشن الفرنسية ، لم يكن أكثر من عملية خلط ما بين التأسيس الدستوري للدولة كجهاز ، والأنشطة والبرامج للقوى السياسية في التنافس السياسي لإدارة الدولة .
الخلط بين التأسيس والأنشطة :
الحرب تتجه نحو عامها الثالث ولأول مرة تجتمع قوى من تنظيمات الكتلتين المتنازعين على إدارة الدولة واللتان تمثلان الحركات المشاركة في السلطة بموجب إتفاق سلام جوبا إضافة للتنظيمات الحزبية المؤيدة لانقلاب المكون العسكري على شريكه المدني (بإستثناء حركتي جبريل ومناوي)، والتنظيمات المنضوية تحت لوائي (قحت) و(تقدم)وقد أصدرت هذه التنظيمات وممثلين لقوى مدنية أخرى مشاركة ما أطلق عليه إعلان نيون . إن إنضمام قوى سياسية ومدنية لوقف الحرب في صالح البلاد خاصة ومن ضمن القوى المنضمة الحركة التي يقودها من يتولى المنصب الثاني في الدولة (مالك عقار) وحزب الأمة الإصلاح والتجديد بقيادة مبارك الفاضل كما ومن بين الأسماء البارزة المنضمة مبارك أردول الذي له دور في الجدل السياسي الدائر بين الكتلتين المذكورتين ،إن في إنضمام هؤلاء وغيرهم لموقف وقف الحرب من المكاسب المعتبرة ويجب الإحتفاء بالتحول في مواقف هذه التنظيمات والكيانات والأشخاص، كما ولابد من الخروج من دائرة دوران القوى السياسية والمدنية في الحلقة المفرغة وحول ذاتها والخلط بين التأسيس والأنشطة والبرامج للقوى السياسية والحزبية كنشاط في التنافس السياسي لإدارة الدولة وربط وقف الحرب والخراب والدمار بالأنشطة وبرامج القوى السياسية بمثل ما ورد ذلك في إعلان نيون .
إعلان نيون والدوران في حلقة مفرغة :
الإعلان (2) مبادئ الحل السياسي
(تأسيس دولة مدنية ديمقراطية محايدة تقف على مسافة واحدة من الأديان والهويات والثقافات وتعترف بالتنوع وتعبر عن كل مكوناته بالمساواة والعدالة وفي إطار دستوري وسيادة حكم القانون) .
إن مشروع تأسيس الدولة السودانية قائما بموجب قواعد التأسيس ، والحقوق الأساسية الطبيعية تنشأ مع الحق في الحياة وتشمل الحق في الفكر والإعتقاد والتنظيم والتعبير وهذه الحقوق مكفولة في قواعد التأسيس أما حياد الدولة ووقوفها على مسافة وأحدة وما ورد عن التفكيك بالإعلان المذكور فهذه أنشطة وبرامج سياسية ، ومن حق التنظيمات الحزبية والسياسية أن تطرح في أنشطتها وبرامجها ما تشاء ويكون للناخب حق الإختيار الحر، فمن حق الحزب الشيوعي بعد وضع الدستور بقواعده المجردة وإقراره أن يطرح برنامجه الذي يقوم على تصوراته الاشتراكية كما لأحزاب البعث أن تطرح أفكارها المؤسسة على شعار الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة وعلى أحزاب المرجعيات الدينية أن تطرح برامجها وغيرها ،كما من حق أصحاب الملل والنحل والأعراف وكريم المعتقدات طرح ما يؤمنون به كبرامج إنتخابية ، وإذا اختار الشعب البرنامج أو الحزب الذي يحكمه صار للحزب الفائز الحق في تطبيق برنامجه في إطار الإلتزام بالحقوق المكفولة بقواعد التأسيس، ويكون للحزب في دورة حكمه تطبيق برنامجه الإنتخابي سواء أن كان أساسه عقائديا أو نظريا أو مرجعيته من الشيوعية أو البعثية أو الطائفية أو الأعراف أو الكجور، فهذه هي الديمقراطية ، أما تحويل الأنشطة مثل الوقوف على مسافة وأحدة والحياد والتفكيك لأسس دستورية فإن هذا يكشف بأن التنظيمات السياسية والحزبية المشاركة في إعلان نيون لا تميز ما بين تأسيس الدولة والأنشطة والبرامج .
في المقال القادم ساتناول (محاذير) حول رعاية منظمة بروميديشن الفرنسية لأنشطة القوى السياسية والمدنية السودانية ،وكيف لهذه القوى تطوير الإعلان بمعزل عن المنظمة المذكورة.