مقالات
خروج فرنسا من دول حزام الغرب الإفريقي عبر بوابة السودان
إمرأة إفريقية لماكرون في مؤتمر الشباب لدول الغرب الإفريقي "لو لم تنظف الطعام الفاسد إفريقيا لن تأكل منه" (٥/ ٥)
بقلم/ الصادق علي حسن:
مراجعة الأخطاء وتلمس الخطى بصورة صحيحة
فرنسا لم يعد ينظر إليها كشريكة نزيهة بدول الغرب الإفريقي
رايمويندي ايلدا كواما إمرأة إفريقية تحدثت للرئيس الفرنسي ماكرون في مؤتمر الشباب لدول الغرب الإفريقي حول سياسة فرنسا الخرقاء في مستعمراتها السابقة بالحزام الإفريقي وإفريقيا ،وقالت أن إفريقيا تتطلع إلى شراكات متكافئة ومصالح متبادلة ولن تظل تستطعم بالطعام الفرنسي الفاسد .رايمويندي تعبر عن الجيل الجديد في إفريقيا، هذا الجيل لم يعد ينظر إلى فرنسا بالشريكة النزيهة في إفريقيا. لقد أسدت رايمويندي للرئيس الفرنسي ماكرون النصح في الوقت المناسب، وعليه وعلى دولته أن تعيد النظر تجاه سياساتها المطبقة ببلدان إفريقيا منذ نيل مستعمراتها السابقة لإستقلال شكلي وربطت هذه البلدان سياسيا وإقتصاديا وعسكريا بها ،كما ومن خلال ممارساتها الممنهجة اعتبرت مستعمراتها السابقة مجرد مخزون للموارد الطبيعية والمعدنية والطاقة ،ولم تقم بتشييد مشروعات تنمية بهذه الدول ،وإنما تركتها تعاني من التخلف والجهل والمرض لتربط فقط النخب العسكرية والمدنية بباريس من وراء شعوب هذه البلدان، كافلة الحماية والإستقرار للأنظمة الحاكمة مدنية كانت أم عسكرية خدمة لمصالحها ، فيما شبت الأجيال الجديدة وهي تنظر بوعي وإدراك لممارسات فرنسا ومآربها الذاتية ، مما أجبر القادة والنخب الوطنية بهذه البلدان لتغيير سياساتها والعمل من أجل التخلص من الشرطي الفرنسي وقد تصاعدت المشاعر الوطنية المناهضة للوجود الفرنسي بدول الحزام الإفريقي ، ولم تعد فرنسا في موضع يسمح لها بضمان حماية الأنظمة بالدول الإفريقية والتي تحاول أن تستكمل سيادتها بالاستقلال التام من فرنسا، وتواجه الأنظمة الخاضعة للسياسة الفرنسية في دول الحزام الإفريقي ضغوط شعبية مكثفة لإنهاء وجود القوات العسكرية الفرنسية بهذه البلدان ،وظلت فرنسا تلجأ لسياسة المناورة ، تارة تتحدث عن تخفيض وجودها العسكري في تشاد والغابون وساحل العاج لتفاجئها تشاد بإلغاء اتفاق التعاون العسكري، مما عجل بالخروج الفرنسي من تشاد من دون الركون للخطة الفرنسية، وفي الأثناء تحدث الرئيس السنغالي باسيرو ديوماى فاى بأنه من غير الملائم اليوم أن تواصل القوات الفرنسية وجودها ببلاده وأن هذا الوجود ينتقص من سيادة الدولة على أراضيها .وقبل ذلك قام قادة الإنقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر بإنهاء وجود القوات الفرنسية في بلدانهم. وصارت فرنسا تفقد نفوذها في الغربي الإفريقي لإعتمادها على خطط وسياسة نهب ثروات مستعمراتها السابقة ولم تقم بإعتماد خطط للتنمية وشراكة المصالح المتبادلة. وتارة أخرى تظهر فرنسا فاقدة للبوصلة وتقوم في يونيو ٢٠٢٢م برعاية تكوين قوى مسلحة من حركات دارفور بإسم قوى المسار الوطني وتلتمس لها سبل المشاركة في السلطة لتقوم بتأمين وخدمة مصالحها في دارفور المجاورة والمتأثرة بالحزام الغربي الإفريقي من خلالها. إن الباحث عن دور لفرنسا في السودان لا يجد لفرنسا أي دور في مجالات التنمية والخدمات بالسودان مثل مستعمراتها السابقة بإفريقيا ،وإن الإهتمام الفرنسي بالسودان منصبا على إقليم دارفور المتاخم لدول تشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا والتي تمثل إمتدادات للمصالح الفرنسية في المنطقة وإفريقيا .
تاريخ فرنسا في دارفور .
في التاريخ فشلت فرنسا في تحقيق أطماعها في التوسع في الأراضي السودانية الحالية وخسرت دبلوماسيا لأول مرة النزاع مع بريطانيا للإستيلاء على فشودة والتي وصلها الكابتن الفرنسي ج .ب. مارشان في عام ١٨٩٨م ، وتحت غطاء الإستعمار العثماني وصل قائد جيش الخديوية المصرية كتشنر باشا في إثره ،وانتهت التسوية بخروج فرنسا من أعالي النيل . في ١٩١٠ بدأت فرنسا سلسلة حملات عسكرية لضم سلطنة المساليت ،ومنيت بهزائم متتالية أشهرها الهزيمتان في معركتي كريندينق في ٤ يناير ١٩١٠م ودروتي في نوفمبر ١٩١٠ والتي فيها تم قتل قائد جيشها وحاكم تشاد الكولونيل مول بواسطة جيش سلطنة المساليت وقائدها السلطان تاج الدين . في ١٩١٩م وقعت سلطنة المساليت إتفاقية رضائية بالإنضمام لدولة الحكم الثنائي مع احتفاظ السلطنة بحقها في الاستفتاء بإنقضاء فترة ٧٥ عاما.
لقد ظلت فرنسا تنظر إلى دارفور خاصة مناطق سلطنة المساليت باعتبارها تمثل الإمتداد الجغرافي لتأمين استقرار الأنظمة بمستعمراتها السابقة في تشاد وإفريقيا الوسطى وصولا إلى الغرب والوسط الإفريقي ، وتعتمد فرنسا على وسائل وأنماط لم تعد مجدية في مستعمراتها السابقة التي أدركت مراميها وأهدافها حتى صارت على أبواب الخروج من هذه الدول بصورة طوعية أو قسرية ،ما لم تعيد النظر في سياساتها الرعناء .
منظمة بروميديشن ورعاية المفاوضات السودانية :
ليس هنالك ما يضير بأن تقوم فرنسا بخدمة مصالحها من خلال تأمين الأمن والاستقرار في السودان وفي إقليم دارفور ولكن يجب أن يكون ذلك من خلال خطط تعزز جهود السودانيين وخدمة مصالحهم في الأساس، وليس لصناعة الحلول الفوقية وهنالك فرقا من بين تعزيز الجهود وصناعة الجهود .
الحالة السودانية :
الحالة السودانية تجاوزت مرحلة صناعة الحلول في الخارج والدفع بالنخب سواء بواسطة فرنسا عبر منظمة بروميديشن أو الوسطاء الآخرين .
المدخل لحل الأزمة السودانية :
يتمثل المدخل للوصول لإيجاد الحلول للأزمة السودانية تحرير الإرادة الوطنية من القيود الخارجية، وتجاوز ظاهرة الإنقسامات المجتمعية وممارسة ديمقراطية قاعدية تقوم على قواعد تأسيس الدولة المجازة ديمقراطيا ، وإلا ستظل حالة الفوضى المستفحلة مستمرة (حالة اللادولة) وتقنين مشروعات التجزئة والتقسيم بالسودان .