حقوق الإنسان
الاتحاد النسائي يناقش “الحلول الفعالة” لتمكين الحماية المدنية للنساء في معسكرات اللجوء
اللاجئون في يوغندا يتعرضون لحالات اختطاف للأطفال واعتداءات جسدية وصعوبة في الحصول على الغذاء
عضو اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان: نحو 680 ألف إمرأة فقدن حياتهن أثناء عمليات الولادة
تعرض الفتيات المراهقات في معسكرات النزوح واللجوء لحالات اغتصاب مروعة
رصد / الساقية برس:
تظل مأساة النساء في السودان جرحًا مفتوحًا لا يندمل، جرحاً يثقل صدورهن ويخلف في قلوبهن آلاماً عميقة لا تبرأ. ففي قلب الحروب المدمرة، والدماء التي تروي تراب الوطن، تعيش نساء السودان في معسكرات النزوح واللجوء واقعاً مريراً من العنف والتهجير، يعانين في صمتٍ طال أمده، إذ يغيب صوتهن وسط عالم لا يُبالي.
تلك المعاناة ليست مجرد ذكريات مؤلمة من ماضٍ بعيد، بل هي حقيقة مستمرة تمزق حياة مئات الآلاف من النساء، في وطن يعاني من تبعات الحروب وأوجاعها المستمرة.
في هذا السياق، يأتي انعقاد الندوة التي يقيمها الاتحاد النسائي السوداني عبر (الزوم) تحت عنوان “الحماية المدنية الفورية للنساء في معسكرات النزوح واللجوء – سبل المواجهة وآليات الحلول”، لتكون صوتًا داعماً للمطالبة بحقوق النساء، وتوجيه دعوة حقيقية للمجتمع الدولي من أجل الوقوف إلى جانبهن في محنتهن، خاصة في وقت تُحتفل فيه بحملة الـ16 يوماً للقضاء على العنف ضد النساء، وفي الذكرى السنوية لليوم العالمي لحقوق الإنسان.
هذه الندوة تسلط الضوء على التحديات الجسيمة التي تواجهها النساء في ظل النزاعات المسلحة، وتضع الحلول الممكنة لحماية حقوقهن والعمل على تغيير واقعهن المؤلم.
انتهاكات واسعة النطاق..
تطرقت الاختصاصية في مجال الصحة وعضو غرفة طوارئ، ١٥ أبريل رقية أحمد محمد، في حديثها خلال الندوة التي عُقدت الأمس، إلى الانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها المدنيون، خاصة النساء في معسكرات النزوح واللجوء. وأكدت على أهمية تطبيق معاهدات واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، التي تضمن حماية المدنيين خلال الحروب والنزاعات.
حيث بدأت رقية حديثها بالتأكيد على ضرورة التزام الأطراف المتنازعة بالقوانين الإنسانية الدولية التي تحدد إجراءات حماية المدنيين في حالات الطوارئ والكوارث.
وأوضحت أنه من بين هذه الإجراءات إخلاء السكان من المناطق المتأثرة بالصراعات، وتقديم الاحتياجات الإنسانية الأساسية مثل الغذاء، الماء، والرعاية الصحية. كما تطرقت إلى ضرورة توفير الحماية ضد العنف الاجتماعي، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي، العنف الجسدي، والاعتداءات الجنسية التي تُستخدم كسلاح في النزاعات المسلحة.
وفيما يخص حماية النساء، أشارت رقية إلى أن النساء في مناطق النزاع يعانين من انتهاكات واسعة، خاصة العنف الجسدي والجنسي، بما في ذلك الاغتصاب الذي يُعتبر سلاحًا يستخدمه أطراف النزاع لإضعاف الخصم. وأضافت أن النساء في المعسكرات يتعرضن للاستغلال بسبب حاجتهن الماسة للمساعدة الإنسانية، مما يزيد من معاناتهن.
كما دعت إلى زيادة الوعي حول قنوات المساعدة المتاحة للنساء المتضررات، مؤكدةً على ضرورة تفعيل آليات حقيقية لتلقي الشكاوى لضمان حقوق الضحايا. وأكدت على أهمية إشراك النساء في جميع التدخلات الإنسانية، بدءًا من بناء المنشآت الأساسية في المعسكرات، مثل دورات المياه، بطريقة توفر لهن الأمان والحماية.
واستعرضت تجربة الاتحاد النسائي في السودان، الذي سلط الضوء على الأوضاع المأساوية للاجئين في يوغندا، حيث يعاني العديد منهم من نقص الأمن، بما في ذلك حالات اختطاف الأطفال، الاعتداءات الجسدية، وصعوبة الحصول على الغذاء.
فيما يتعلق بالحلول الممكنة، ناقشت الأستاذة رقية عدة آليات لتحسين أوضاع اللاجئين والنازحين، مثل تعزيز دخول النساء إلى سوق العمل وتوفير فرص الإنتاج المحلي في المعسكرات. وأكدت على أهمية مكافحة العنف المنزلي من خلال تمكين النساء من الانخراط في مهن صغيرة، وتوفير الدعم النفسي والصحي لهن، مما يسهم في تعزيز استقلاليتهن الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضحت رقية أن الانتهاكات في معسكرات النزوح، مثل حالات الاغتصاب، غالبًا ما يتم التكتم عليها من قبل الأسر بسبب الوصمة الاجتماعية، مما يعيق التصدي لها. وأشارت إلى ضرورة الحلول الابتكارية لمواجهة العنف الجنسي المستمر، خاصة في ظل امتناع الأسر عن الحديث حول هذه القضايا.
وفي ختام حديثها، شددت رقية على ضرورة تكاتف الجهود بين جميع الأطراف المعنية، لضمان بيئة آمنة وشاملة للنساء في معسكرات النزوح واللجوء. ودعت إلى التعاون المستمر بين المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لضمان حماية المدنيين، وخاصة النساء، في أوقات النزاعات المسلحة.
سلاح ممنهج:
حول “الحماية المدنية الفورية للنساء في معسكرات النزوح واللجوء – سبل المواجهة وآليات الحلول”، تسلط المتحدثة، عضو اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان وعضو غرفة طوارئ 15 أبريل، د. أديبة إبراهيم السيد الضوء على الوضع الكارثي الذي تواجهه النساء في السودان تحت نيران الحرب التي مزقت البلاد
تقول دكتورة أديبة بحديث يملؤه الحزن: “النساء هنّ الوجه الأكثر ألماً لهذه الحرب. هنّ من يدفعن الثمن الأكبر عبر التهجير القسري، القلق المستمر، المرض، الموت وحتى التحرش والاغتصاب، ليجدن أنفسهن في معسكرات تفتقر لأبسط مقومات الإنسانية، إضافة إلى ذلك تفاقم الوضع الإنساني والصحي زاد من معاناة هؤلاء النسوة. فمع انهيار البنية التحتية الصحية وتدمير 90% من المستشفيات والمراكز الطبية، تضاعف انتشار الأمراض، مما جعل الوصول إلى الرعاية الصحية حلماً بعيد المنال.
في إطار التوثيق تواصل اديبة نشر الإحصائيات الصادمة لتوثيق الأوضاع الصحية المأساوية التي تعيشها النساء والأطفال جراء الحرب، كشفت عن تسجيل نحو 500 ألف حالة من انتهاكات حقوق المرأة والطفل.
حيث أودت الكوليرا بحياة أكثر من 316 ألف شخص، في حين حصدت حمى الضنك أرواح أكثر من 576 ألف شخص آخر، وأضافت إن العديد من الأمراض الأخرى مثل السل، الملاريا، والحميات قد انتشرت في مناطق مختلفة، ما جعل الوضع الصحي أكثر تعقيداً.
وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 176 ألف امرأة حامل و850 ألف امرأة مرضعة يعانين من سوء التغذية، فيما توفي 45 ألف طفلاً بسبب المجاعة وسوء التغذية منذ بداية الحرب، فيما يتعلق بالأوضاع الصحية في مجال الولادة، فقد فقدت نحو 680 ألف امرأة حياتهن أثناء عمليات الولادة.
وفي جنوب كردفان، يعاني أكثر من 54 ألف امرأة من سوء التغذية ومرض السل، كما شهدت مستشفيات أخرى عمليات جراحية عديدة، تم خلالها تسجيل 300 حالة لبتر الأطراف، بينها حالات من النساء، الرجال، والأطفال، إذ تحدثت أديبة عن استهداف النساء بشكل متعمد لتحطيم إرادتهن باستخدام الاغتصاب الممنهج كسلاح حرب: “نحو 679 حالة اغتصاب و48 حالة إجهاض تم توثيقها منذ اندلاع الحرب.
وتضيف أديبة: “العديد من الضحايا يصلن إلى المستشفيات في حالة صحية مزرية، يعانين من النزيف الحاد، وتمزق الأغشية، والجروح العميقة مما يتطلب بروتوكولات علاجية عاجلة لتجنب الأمراض المنقولة جنسياً وحمل غير مرغوب فيه.” ولكن للأسف، فإن وصمة العار المجتمعية تمنع العديد من الضحايا من تلقي العلاج اللازم، مما يزيد من معاناتهن. مما يجعل الكثيرات يقدمن على الانتحار أو يُقتلن على يد أسرهن. حيث ” وثقت حوالي 135 حالة انتحار، بالإضافة إلى حالات القتل التي تمت داخل الأسر.”
في حديث مليء بالحزن والألم، سلطت أديبة الضوء على معاناة الفتيات المراهقات في معسكرات النزوح واللجوء، حيث تُجبر الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 11 و16 عامًا على مواجهة ظروف مريرة في ظل النزاعات المستمرة. أكدت أن هؤلاء الفتيات يتعرضن لانتهاكات جسدية ونفسية متواصلة، بما في ذلك حالات اغتصاب مروعة، إضافة إلى الإجبار على جمع الحطب وجلب المياه، ما يعرضهن لخطر الاختطاف والمضايقات بمختلف أشكالها، ناهيك عن نقص التعليم والآفاق المستقبلية.
وأردفت : أكبر تحدي يواجهنا الآن اختفاء العديد من الملفات الطبية نتيجة احتلال المستشفيات من قبل المليشيات، مما جعل توثيق هذه الجرائم أمراً صعباً.
وأمام هذه الصورة القاتمة، دعت دكتورة أديبة إلى حلول فورية وآليات مُنظمة تشمل توفير حماية مدنية فورية داخل معسكرات النزوح لضمان أمن النساء والفتيات، والعمل على التنسيق مع المنظمات المحلية والدولية لتقديم الرعاية الصحية، وتأمين الغذاء والمياه، وتقديم برامج تعليمية وتأهيلية لتأمين مستقبل آمن للفتيات بعيداً عن واقع الحرب.
دعت إلى التنسيق الفعّال بين المنظمات المحلية والدولية لضمان حلول مستدامة تنهي معاناة الشعب السوداني، مشددة على ضرورة العمل الجماعي لإنهاء الحرب وتحقيق الأهداف التي نادت بها ثورة ديسمبر المجيدة. كما اقترحت إنشاء منظمات أهلية داخل المعسكرات، تعمل جنباً إلى جنب مع المنظمات الدولية والمحلية، بما يسهم في تعزيز التعاون وتنسيق الجهود لتحقيق السلام الدائم، وفي الختام، شددت على أهمية استمرار النضال لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر، مؤكدة على ضرورة حماية حقوق النساء والحفاظ على سلامتهم من كافة أشكال العنف والتمييز، لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وصمة عار..
الندوة شهدت حضورًا كبيراً من نساء مختلف المجالات اللاتي ناقشن مشكلات وصمة العار التي تلاحق النساء ضحايا العنف. وركزت المناقشات على كيفية تقديم الدعم الفعّال لضحايا الاغتصاب، وتحقيق بيئة قانونية وصحية تحميهن من اللوم الاجتماعي، ومن بينهن
في مداخلتها خلال الندوة، تحدثت المحامية إيمان حسن عبد الرحيم عن الوضع الراهن للمجتمع السوداني، مشيرة إلى أن من أبرز التحديات التي تعرقل تماسكه وتمنع الخروج من الأزمة، هي كثرة المبادرات المطروحة لحل الأزمة وإعادة الاستقرار، والتي تعاني من الاستفراد بها وعدم التنسيق بين الأطراف المختلفة. وأكدت أن هذا التشتت يزيد من تعقيد الوضع، ويحول دون التوصل إلى حلول فعالة
وفيما يخص جرائم الاغتصاب، أكدت إيمان حسن أن المجتمع السوداني، بما له من تقاليد محافظة، ينظر إلى الضحية باعتبارها وصمة عار، مما يعمق معاناتها النفسية والجسدية. وأضافت أن الضحية تجد نفسها محاصرة بين آلامها الشخصية ونظرة المجتمع القاسية التي قد تدفعها إلى الانتحار أو تعرضها لمزيد من الاعتداءات. هذا الوضع يجعل حياتها لا تطاق، إذ تبقى عرضة لاستمرار الاعتداءات أو القتل
ودعت الاتحاد النسائي إلى ضرورة استثمار هذا الدور الريادي من خلال الضغط على الأطراف المتحاربة باستخدام الآليات الدولية لحقوق الإنسان، وفرض عقوبات ضد مرتكبي هذه الجرائم
كما اقترحت إنشاء آلية ضغط دولية تهدف إلى محاسبة مرتكبي الجرائم، تتضمن إجراءات طبية ونفسية واجتماعية للضحايا. وأوصت بتسليط الضوء على هذه الانتهاكات عبر وسائل الإعلام والفنون، مثل المسرح والتلفزيون، من خلال تعاون مع الأدباء والفنانين والشعراء، لنقل معاناة الضحايا إلى المجتمعين المحلي والدولي. وأكدت أن هذه الطريقة يمكن أن تساهم في تشكيل رأي عام عالمي موحد يدين هذه الجرائم، مما يشكل ضغطًا على أطراف النزاع لإيقافها ومحاسبة مرتكبيها.