مقالات
الأحزاب السياسية والوعود الكاذبة
الباقر عكاشة عثمان:
واجهت الفترة الديمقراطية الثالثة في عهد الصادق المهدي توترات سياسية وتحديات كبيرة كادت أن تعصف بالتجربة الديمقراطية على الرغم من قصر مدتها حيث شهدت تلك الفترة عدة تغييرات حكومية بين ائتلافية وقومية وانسلاخات من حزب الامة للاتحادي وبالعكس
انشغال القادة السياسيين بالتنافس على السلطة ألقى بظلاله السالبة على القوات المسلحة التي كانت تقاتل على عدة جبهات ضد حركة تحرير السودان بقيادة جون قرنق التي حظيت بدعم من يوغندا ومنظمات تبشيرية ودول كبرى بالتنسيق مع بعض الأحزاب اليسارية.
هذا التجاهل أضعف قدرة القوات المسلحة التي كانت بالكاد تبحث عن الاحتياجات الأساسية فضلا عن العدة والعتاد وعندما تدهورت الأوضاع وتوالى سقوط المدن جاءت مذكرة الفريق فتحي أحمد علي الشهيرة لرئيس الوزراء كجرس إنذار. إلا أن المتربصين بالفترة الديمقراطية كانوا أسرع من قادة المذكرة ما أدى إلى انقلاب 30 يونيو بقيادة عمر البشير. ذهب البشير إلى القصر رئيسا فيما انتهى الحال بحليفه الترابي إلى السجن حبيسا
تجربة الأحزاب في تلك الحقبة كانت شبيهة بفترة الانتقال التي أعقبت انتفاضة ديسمبر المجيدة. لم تستفد الأحزاب من دروس الماضي حيث انشغلت بإشباع رغباتها في الانفراد بالسلطة وممارسة التمكين بدلا من حراسة الانتقال الديمقراطي والبناء عليه فانغمست في توزيع درجات الوطنية فيما بينها واستقطاب الشباب بشعارات براقة دون تقديم برامج انتخابية حقيقية.
ساهم هذا النهج والسياسة الممنهجة لتقزيم الجيش وافراغه من دوره في عملية الانحياز في إضعاف معنويات القوات المسلحة لم تقف في هذا الحد بل وواصلت في نهجها في خلق الفتن بين الجيش والمكونات العسكرية. وكانت النتيجة الحرب اللعينة وما صاحبها من تهجير وتشريد وقتل واغتصاب من قبل قادة المليشيا .
لقد أثبتت التجارب أن الأحزاب عبر العصور لم تصل إلى مستوى النضج السياسي المطلوب وظلت القيادات التقليدية التي توصف بـالديناصورات تتحالف مع العسكر لتحقيق مكاسب آنية وعندما يثور الشعب تتنكر هذه القيادات لحلفائها بشعارات جديدة تستهدف وجدان الشباب لتعيد السيطرة على المشهد السياسي.
الان السودان بحاجة الى الممسكين بجمر القضية لما لديهم من قدرة على إدارة البلاد وعدم اشغالهم في هذا التوقيت بتنسيقيات سياسية ومؤتمرات بنفس الوجوه لا تقدم ولا تأخر لقد قدمت تجربة إبراهيم عبود نموذجا لاستشراف المستقبل حيث شهدت البلاد في عهده تنمية صناعية وبنية تحتية راسخة وما زالت ذكريات حقبة جعفر نميري تثير الحنين فيما تذكر مواقف الفريق اول عبد الفتاح البرهان ببطولاته في مواجهة العدوان الخارجي وصد العدوان ال١٧ وافشال محاولة قيام مملكة الماهرية بزعامة اسرة ال دقلو على حساب سودان الحضارة .
اقول طالما ظلت الطائفية الدينية والقيادات التقليدية والقبلية جاثمة على صدر المشهد السياسي وترجح كفة اي انتخابات ستستمر الهيمنة من قبل اصحاب النفوذ وستظل أي عملية ديمقراطية مهددة بالفشل..
المطلوب بعد دحر العدو المغتصب التحرر من تلك القيود، وفهم معنى الدولة المدنية الحقيقية لتأسيس نظام سياسي يعبر عن تطلعات جميع السودانيين بسياسات من خارج الصندوق تواكب المرحلة والحالة السودانية بعيدا من الاحزاب المتهالكة التي تغيب في وقت الأزمات.