مقالات
كسب “البلابسة” وخاب “الأبالسة”
د.عبد الكريم الهاشمي:
-1-
يتم احيانا استخدام كلمة أو عبارة بطريقة مهينة أو مسيئة او على نحو إزدرائيّ, فيتم إعطاء ذات العبارة معنا جديدًا فيتغير بذلك مدلولها، بحيث يمكن قبول مدلولها الجديد مجتمعيا والتطبيع معه، بالرغم من سوءه وقبحه. كذلك فإن حركات الأيدي المصاحبة للعبارات أو الكلمات، يمكن أن تغير المعنى الدلالي للكلمات وفقا للارتباط الثقافي أو الوجداني بالكلمة. فلربما تتغير عبارة كانت تستخدم للإزدراء (شتيمة)، او حركة يد تحمل إشارات مسيئة او شائنة، الى عبارة ذات مدلول يتقبله المجتمع, أو حركة يألفها الناس. من نافلة القول أن نذّكر، ان عبارة “بلابسة” تتكون من مقطعين هما “بل و بس” وهما مقطعين ارتبطا بشكل كبير في استخدامهما، سيما إبان حراك ثورة ديسمبر وما بعدها, حيث صارا مصطلحا واحدا متعارف عليه، يشير الى الرغبة في الثأر والانتقام والقمع, وبهذا أضحى مصطلحا ذو دلالة مختلفة عن مدلوله السابق, إذ كانت تعد عبارة “بل” عبارة موغلة في الإسفاف والدناءة, سيما اذا ارتبطت بحركة ساعد اليد مع كفٍ مقبوضة.
-2-
انتشرت هذه العبارة في فترة ما بعد ثورة ديسمبر كانتشار النار في الهشيم، “بل” صارت من ادبيات تلك المرحلة هي وأخريات، مثل “سانة وخانة وصبة وقنا”. من المفارقات، ان الشرائح التي عُرفت بالاسراف في استخدام عبارة “بل بس”، صارت تتضجر من استخدامها بعد إندلاع حرب المليشيا، وأصبحت ذات العبارة “بل بس” تغيظ اصحابها الذين كانوا يتغنون بها في الأمس القريب, بل أصبحو لا يطيقون سماعها، او رؤيتها، “بل” يتندرون من مستخدميها، فيما كانوا ينتشون “بالبل”. أُستخدمت عبارة “بل” عقب ثورة ديسمبر للتحرش بالخصوم السياسيين، والدعوة لتأديبهم عبر “البل”، وتهديدهم “بالبل” فكلما ارتفع صوتٍ ناقد يلوح له ” بالبل”. بعد اندلاع الحرب في ابريل 2023م بسبب تمرد مليشيا “ابناء دقسو” شاع استخدام عبارة “بل بس” وصارت تُستخدم من قطاعات المجتمع المؤيدة للجيش نكاية في المليشيا، وتعبيرا لرضائهم عن اداء الجيش في ردعه للمليشيا، ورغبتهم في التشفي والانتقام منها. استخدام عبارة “بل بس” افرز حالة من التغيظ والزفير وسط أصحاب المصطلح الذين كانوا يتغنون به في الأمس القريب فظلوا “يصرخون” من عبارة أُستعيرت من ذات القاموس الذي كانوا يستخدمونه، والذي حوى مثل عبارات “عينك فوقو تركب فوقو” وهي عبارات كانت خادشة للحياء، ولكن كثافة الاستخدام لهذه العبارات والإصرار على تغير مدلولها جعلت الآذان تألفها والمجتمع يتعايش معها. أطلقت عبارة “البلابسة” على الداعمين للجيش وذلك من باب الارهاب الفكري والسخربة، للإنتقاص من جهدهم في التصدي لحملات التخذيل التي انطلقت متزامنة مع بداية الحرب من طيف “الابالسة” والمعدة مسبقا كأداة من ادوات الحرب النفسية، مثلها مثل الافتراءت والاكاذيب التي بذلت لتبرير ان الحرب اوقدها طرف ثالث ودوامة من اطلق الطلقة الأولى. تصدت اقلام “البلالين” لافشال المخططات الخارجية والداخلية والحملات الاعلامية التي يرويج لها “الأبالسة” والتي أُريد لها ان تتسرب عبر الهدن ومبادرات العون الانساني فأفشلت مخططاتهم. تصدى “البلابسة” البلالين للحملات التي سعت للتعايش والتطبيع مع جرائم المليشيا من اغتصابٍ ونهبٍ وقتل، تحت دعوى “لا للحرب” هذا الشعار الخائب والموغل في الخنوع والانحطاط، والخداع والتضليل، شعار لا يعبر عن إرادة الشعب لا مضمونا ولا هدفا، بل يفتقر للنخوة والرجولة التي عرف بها الشعب السوداني. مارس “الابالسة” العمالة في أبهى صورها، وذلك بالتخابر والدعم المعلوماتي والتخطيطي لصالح المتمردين وداعميهم من الخارج، وزعموا أن لا منتصر في الحرب، وقادوا حملات واسعة لتخذيل وإيهام الشعب بعدم جدوى الحرب.
-3-
قاد “الأبالسة” حملة تشكيك واسعة لإيقاع الفتنة بين الشعب وقواته الشعب المسلحة، لعزلها عن عمقها الشعبي والجماهيري، وهي لم تكن المحاولة الأولى فقد سبقتها حملة ( معليش معليش ما عندنا جيش) إلا أن “البلابسة” “البلالين” كانوا لهم بالمرصاد، فتصدى البلالين الى حملات تشويه الصورة الذهنية للقوات المسلحة وقادتها فلو لا يقظة “البلابسة” البلالين وانتباهتهم لحجم المؤامرة التي تستهدف جيش البلاد في مسعى مفضوح للنيل منه بالتشكيك في عقيدته ومناصرة أعدائه والتقليل من انتصاراته، والتشكيك فيها، وذلك لزيادة الشقة بين الجيش والشعب لنجح “الابابسة” الذين خلطوا ما بين القضايا الوطنية العليا وأمزجتهم المعتلة, متناسين أن القوات المسلحة لا تعمل لمصلحة فرد أو كيان غير السودان وتتصرف وفقاً لمصالح البلاد العليا كما عُرفت عبر مسيرتها الخالدة، حيث نجح “البلابسة” البلالين في مواجة هذه الحملات بتأكيد أن الجيش ليس محلا للمزايدة أو المغالاة، وليس في حاجة لمساندة مادح، في أداء واجبه الوطني، ولا يقعده تخذيل قادح في مواجة أعداء الوطن والمتربصين به. اراد الأبالسة بحملتهم الخائبة ضد الجيش ان ينفضّ الناس من حوله، فحدث العكس إذ أصبح الشعب كله جيشا. افشل البلابسة المخطط الآثم الذي استهدف تشويه المقاومة الشعبية واعتبارها بذرة لحرب اهلية، حيث سعت عبر ابواقها الاعلامية لللتأثير على الشعب لمقاطعة الاستنفار للانخراط في معسكرات التدريب، وحذرت من تسليح الشعب للدفاع عن نفسه وعن عرضه وارضه التي استباحتها المليشيا وقضت طرفها عن المليشيا التي تسلحت بكل انواع الاسلحة لإزلال الشعب، فحدث العكس حيث تدافع الشعب نحو معسكرات التدريب، و تقدم صفوف القتال في مناطق العمليات، وإنهالت الاموال لتجهيز التجريدات والمتحركات بالسلاح والعتداد والمؤن، فكان الشعب كيسا فطنا مدركا إلى ان الحفاظ علي كيان الدولة السودانية والحفاظ علي حياته وامنه وممتلكاته، يكمن في إلتفافه ودعمه للجيش الوطني.
-4-
كشف “البلابسة” البلالين اسلوب التخذيل الذي مارسه الابالسة والذي لبس ثوب الحكمة والحنكة، والرشد والسداد، زورا وبهتانا للحديث عن الضرر الذي سيلحق بالابرياء جراء الحرب، والدعوة لتحكيم صوت العقل، والدعوة لوقف الاحتراب وهو موقف تكتيكي اقرب للمؤازرة المبطنة للمتمردين، في وقت يقود فيه الجيش حربا شعواء ضد طقمة ارادت ان تبتلع الوطن، مما يعد طعنة نجلاء في خصر الجيش. اسرف “الابالسة” في التشكيك في قدرات الجيش ومهنيته وحرفيته، كما أسرفوا في الإساءة إليه والتقليل من شأنه، حيث قابل “البلالين” ذلك بالدفاع عن مهنية القوات المسلحة وأنها قوات محترمة، مؤهلة ومقتدرة، وقادرة على ردع العملاء والخونة، والطامعين في زعزعة المواطن ونهب خيرات الوطن، وأوصدت بذلك الباب أمام الابالسة المتربصين بها، واسكتت اصواتهم الداعية لتفكيكها وتسريحها. ظل الأبالسة يدندنون بالطعن في قدرات القوات المسلحة وانها لا تستطيع حسم المعركة ولا خيار امامها الا التفاوض الذي يعيد الجنجويد وجناحهم السياسي الى السلطة, فيما نجح البلابسة “البلالين” في كشف هذه الحيلة الماكرة فقادوا حملة وعي وتنوير أكدوا من خلالها أن هذه الحرب تنعدم فيها الخيارات، وتضمحل فيها فرص المزايده والمناورة السياسيه، ويظل هنالك موقفا واحدا هو المتاح والمشرّف، لا يحتمل اللجلجة، ولا التباطؤ، والتماطل، هو خيار الأنحياز الى الجيش الوطني والإنتصار على المليشيا المندحرة.
-5-
تصدى “البلالين” إلى الإدعاءات الكذوبة والبروباغاندا السوداء التي تزعّمها “الابالسة” لترهيب وتخويف الشعب بحدوث مجاعة إذا ما إستمرت الحرب، فزاد الانتاج، وتشارك الزّراع انتاجهم مع الناجين من مناطق الحرب. تصدى البلابسة “البلالين” للتهديد والوعيد الذي مارسة “الابالسة” عبر الدعوى والسعي لإدخال قوات الايقاد “EASF” حيث دحضوا الإدعاء المزعوم بأن السودان يعيش فراغا إداريا وان الوضع في السودان يتطلب قيادة جديدة تمهيد لتأسيس حكومة “منفى” تتشكل من عصابة “الابالسة” العملاء. سعي الابالسة سعيا حثيثا الى ادراج السودان تحت البند السابع لتتسرب عبره قوات اجنبية لاحتلال الوطن تحت دعوى حماية المدنيين, بل ظلوا يهددون المواطنين ويبتزونهم بأن الحرب ستكون أشد واعنف، وستنتقل الى المدن والمناطق الآمنة, فكشف البلابسة مخططهم المجرم، وتصدوا له، فخاب فألهم وانهار مشروعهم الإجرامي.
-6-
عرّى “البلابسة” البلالين وكشفوا نوايا “الابالسة” الخبيثة الشريرة في عدم إدانتهم لانتهاكات المليشيا، بل فضحوا دفاعهم المخزي الذليل عن جرائم مليشيا “آل دقسو” ومرتزقتهم من الاجانب. نجح “البلالين” في بيان طبيعة الحرب الدائرة التي يقودها فصيل عسكري تمرد على الجيش بل غدر به، مدعوم ومسنود من قوى إقليمية ودولية تستهدف القضاء على الوطن ومقدراته، حيث بيّن البلابسة “البلالين” أن الرشد يقتضي مناصرة ودعم الجيش القومي الوطني في قتاله ضد المليشيا. كما دحض “البلابسة” البلالين الإدعاءات الكذوبة الخائبة التي تبناها “الابالسة” للتشكيك في الأهداف الموضوعية للحرب، ومحاولة صرف الشعب بمزاعم دنيئة عن الهدف الاوحد والاسمى المتمثل في القضاء على تمرد قوات الدعم السريع.
-7-
عرّت اقلام البلابسة “البلالين”، وجردت “الابالسة” من ثياب الخيانة والخداع، والكذب والنفاق، إذ بينت ان “الأبالسة” هم قوى سياسية تماهت مع الدعم السريع، وأصبحت حليفا له تتوكأ عليه، وتهشُ به على اعدائها، وتسعى لجلب مصالحها من خلاله. تصدى البلابسة “البلالين” لإفتراء “الابالسة” بؤساء السياسة عملاء الخارج وإدعاءهم بأن الحرب الدائرة ليس فيها منتصرا، وأن اقصر طريق لإيقافها هو إنكسار الجيش وإستسلامه لمجرمي المليشيا المتمردة، والصمت عن إنتهاكاتها التي طالت الأنفس والأموال، والأرض والعرض, فيما ظل البلابسة “البلالين” يؤكدون أن الحرب فيها مهزوم ومدحور، وخائن وغادر، وعميل وكفيل، وخسيس وبائس، هو المليشيا و”الأبالسة”, وأن الجيش سينتصر مراهنين على إصطفاف المواطنين معه. ما من حجرٍ ولا مدرٍ، ولا جنٍّ ولا بشرٍ إلا ويعلم علم اليقين أن حرب الخرطوم، اشترك في تنفيذها والتخطيط لها، قوى داخلية وخارجية، وهذا معلوم بالضرورة، والأدلة على ذلك مبذولة، إلا أن “الأبالسة” المستَغْفَلِين، وروافع الاستعمار الناعم، اصحاب المواقف الرمادية، ظلّوا يشنشنون بان الحرب هي نزاع بين جنرالين، وأنها انقلاب يقوده الكيزان، وأنها حرب لتحقيق اطماع ورغبات شخصية في السلطة، حتى إنكشف عوارهم وبانت أكاذيبهم من خلال ما بذله البلابسة “البلالين” من حقائق حول المخطط الآثم الذي ارتبطت بأحلام “الأبالسة” الماسدة. -8-
تصدت اقلام البلابسة “البلالين” الى حملات الترهيب التي تبناها الأبالسة” والتي سعت لمنع الشعب من الاصطفاف مع جيشه بدعاوى واهية، فتصدى “البلابسة” لإستنهاض همم الشعب وإستنفاره لدعم قواته المسلحة، والإصطفاف معها في خندق واحد، مبيّنة أن المواقف الوطنية التي يسطرها التاريخ لا تحتمل التردد والضبابية، ولا المناورة والمراوغة، وهي ليست سلعة تباع وتشترى في سوق النخاسة السياسي كما يفعل “الابالسة”، فالواجب الوطني يقتضي إثبات موقف لصالح الوطن إبتداءً، لا عوجاً فيه ولا أمتا، موقف يناصر القوات المسلحة التي تمثل صمام الأمان الوطني دون سقف للتأييد، وليس كما فعل “الابالسة” حيث اختاروا موقف الحياد والدعوة لايقاف الحرب كيفما اتفق (لا للحرب) فلم يُظهروا موقفا مؤيدا للجيش الوطني، بل كانت مواقف “الابالسة” أقرب الى مساندة المتمردين، إذ أن الأشياء تعرف بأضادها.
التحية للبلابسة الشرفاء الذين انحازوا للوطن في محنته حتى تحققت الأنتصارات وستتوالى وحتى تندحر المليشيا وتكون أثرا بعد عين والخزيُّ والعار للابالسة عنوان العمالة والارتزاق العاقين لوطنهم المتاجرين بأهلهم.
Krimhashimi5@gmail.com
0912677147