منوعات وفنون

في وداع الحلواني الجميل عبدالسلام الشوش

بقلم/ مصعب الصاوي:

خلته يكرر عادته المحببة ونحن طلاب بمدرسة الدامر الثانوية نتجاذب أطراف الحديث وهموم الوطن والثقافة والفنون عقب انتفاضة أبريل التي أسقطت حكم الرئيس جعفر نميري، كانت له إغفاءة شهيرة يستيقظ منها بعد أن نحركه عبدالسلام عبدالسلام قوم .. هذه الإغفاءة كانت الأخيرة ولم تكن عبثا فلا أحد يعابث الموت و(الموت مابتوالف) كما تقول الحكمة الشعبية.

كانت أجواء مابعد الانتفاضة تمور بالخيارات والتوجهات السياسية المتقاطعة لكن الصراع كان على أشده بين تيارات اليسار التقدمية والتيار الإسلامي او الاتجاه الإسلامي وكانت الدامر الثانوية مسرحا لهذا الصراع المحتدم ولكن بشكل حضاري واحترام للرأي والرأي الآخر لم تكن الحياة وقتها تعرف العنف أو التصفيات أو الحقد والغل وبين هذين التيارين اختار عبدالسلام الشوش أن يكون (اتحادي الهوى) سيما وهو من أسرة عريقة المحتد في حزب الحركة الوطنية وكان هذا خيارا غريبا في تلك الأجواء الحماسيّة الشبابية أن يختار شاب حزبا تقليديا كحزب الأمة أو الحزب الاتحادي، لكن استطاع عبدالسلام الشوش بشخصيته الجذابة وبروحه المرحة وبإخوانياته واعتداله وكرمه أن يكون (أغلبية) وسرعان ما استطاع أن يستقطب أعداداً من الطلاب لحزب الوسط حتى صار رقما لايستهان به.

كانت طريقة عبدالسلام تختلف فهو لم يكن حريصا على إقامة أركان نقاش بل مشاركا في أركان النقاش بالنقد والتعليق مبينا من خلال حواره رؤية الاتحاديين للراهن السياسي، والأركان التي أقامها شكلت حضورا مقدرا لشعبيته هو أولا وبساطة وتلقائية عرض الأفكار ثم القبول الإلهي الذي ينبع من نقاء سريرته ولطف أقواله وأفعاله وأريحيته

ورغم أن عالم السياسة عالم ملئ بالمشاحنات والأزمات إلا أن عبدالسلام كان موطن محبة الجميع.

غادرنا الدامر الثانوية إلى الجامعات وتفرقنا أيدي سبأ واستقر بعض أبناء جيلنا بالعاصمة وتزوج بها والبعض هاجر خارج الوطن وفي كل مرة نحل فيها بمدينة الدامر يظل عبدالسلام هو (ركازتنا) ومكان أنسنا وضيافتنا وكان ملما بأخبار الدفعات التي تعاقبت على الدامر الثانوية يملك سجلا كاملا عنهم ويعرف حتى أسماء أطفالنا ومراحلهم التعليمية ويحرص في مكالماته على التعرف على أصواتهم كان قلبا عامرا بمحبة الناس ودودا ومبذولا لخدمة الناس.

عندما تولى إدارة محلات أسرته في شغل الحلواني خشي الناس أن يفشل فعبد السلام شيخ عرب وعمدة وكريما جودو جود أروش خريف الدالي والمزموم، أشفق الناس على المحلات من يده العليا المنفقة أن يخسر المحل ويفلس تحت إدارته ولكن حصل العكس إذ أثبت موهبة تجارية فذه وتطورت محلات الحلويات واتسعت لتتجاوز الطلبات مدينة الدامر إلى القرى المحيطة بها واستطاع أن يتحول إلى متعهد لكبريات المؤسسات في نهر النيل في القطاعين الحكومي والخاص ومن طرائفه أن شخصية حكومية نافذة وجّهت بعدم شراء حلويات الشوش فهو ليس (معنا) ولايمت لا للحزب أو النظام بصلة فلماذا نشتري منه !! قال ظللت محروما من العطاءات لشهور وذات يوم قررت زيارته في مكتبه فقابلني بوجه متجهم وبرود قاتل !! قلت له انت مالك مقابلني أنا أخير ليك بدل تمشي تجيب الباسطة من عطبرة !!! فقال لي نحن نشتري منك وانت تنبذ فينا فقلت له ( اتنابذوا رجال وحلوا اخوان ) فضحك الرجل وفك عني التشفير .

أما النكتة الحاضرة الذكية والظرف والإخوانيات فهي مزايا حصرية يتفرد بها الحبيب عبدالسلام ومنها نكتته مع ذلك المزارع النحيل معروق اليدين كأنه هيكل عظمي الذي دخل محلات الشوش خائفا يترقب فسأله عبدالسلام اتفضل ياعمي في حاجة ممكن أخدمك بيها !؟ فقال الرجل وهو يتلفت بريد الباسطة لكن بناتي محذراتني من السكري .. فقال عبدالسلام السكري يجيك انت !؟ أول شي أكل ربع في الطربيزة دي وشيل كيلو البيت أكان جاك سكري لومك بي.

رحم الله الحبيب سمح السجايا عبدالسلام الشوش وجعل البركة في عقبه وأحبابه الكثر وعارفي فضله وإنفاقه سرا وعلانية.
إنا لله وإنا إليه راجعون

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق