مقالات
حكومة التكنوقراط المستقلة بين الخيار والضرورة الحتمية

د.أسامة سيدأحمد حسين:
إن الحديث عن حكومة تكنوقراط مستقلة ذات عقل استراتيجي في السودان ليس مجرد خيارٍ مثالي، بل أصبح ضرورة حتمية في ظل التحديات المُعقَّدة التي تواجه البلاد، والتي تتراوح بين الأزمات الاقتصادية الحادة، والانقسامات السياسية، والصراعات الإقليمية، وانهيار الخدمات الأساسية. نساهم بتقديم تحليلا لأهمية هذا النموذج الحكومي وكيفية تحقيقه.
١. لماذا حكومة تكنوقراط مستقلين؟
تعقيد الأزمات: تحتاج السودان إلى كفاءات متخصصة مستقلة في الاقتصاد، والأمن، والتنمية، والصحة، والتعليم لإدارة ملفات معقدة مثل التضخم المالي المتفاقم، ونقص العملة الأجنبية، وانتشار النزاعات القبلية، وانهيار البنية التحتية، وهشاشة الامن، وتدهور التعليم. وان الحلول التقليدية التي تقدمها الحكومات الحزبية غالبًا ما تكون قصيرة النظر.
الحياد السياسي:
الحكومة التكنوقراطية المستقلة تُقلل من هيمنة التحالفات الحزبية أو العسكرية على القرارات، مما يساعد على بناء ثقة بين مكونات المجتمع السوداني المتنوعة.
التخطيط الاستراتيجي: تتطلب المرحلة الانتقالية رؤية طويلة المدى لإصلاح المؤسسات، وإعادة هيكلة الاقتصاد، وبناء نظام حكم ديمقراطي، وهو ما يتجاوز الإدارة اليومية التي تهيمن عليها الأجندات السياسية الضيقة.
٢. ملامح الحكومة التكنوقراطية المطلوبه:-
اختيار الكفاءات-
تعيين وزراء وخبراء مُختارين بناءً على خبراتهم العملية وكفائاتهم العلمية وليس انتماءاتهم الحزبية أو القبلية، مع ضمان تمثيل مُتوازن للمناطق السودانية.
خطة عمل واضحة: تبني أجندة وطنية ذات أولويات مُحددة (مثل وقف الحرب، إصلاح النظام المصرفي، التخطيط الاستراتيجي، إعادة بناء التعليم، اعادة المنظومة الصحيه،)، مع مؤشرات أداء قابلة للقياس.
الاستقلالية:
تحييد التدخلات الخارجية أو الضغوط العسكرية التي قد تُعيق قرارات الحكومة، مع ضمان شفافية في صنع القرار.
٣. التحديات التي تواجه تشكيلها:
المقاومة السياسية:
قد تُعارض النخب السياسيه او الطائفية الحاكمة التقليدية (حزبية أو عسكرية) فكرة التكنوقراطية لأنها تُهدد مصالحها.
الشرعية الشعبية:
يحتاج هذا النموذج إلى دعم شعبي واسع، خاصة إذا تم تعيين الحكومة دون انتخابات مباشرة ( وهو الاصوب في هذه المرحلة/ مرحلة مابعد الانتصار ودحر مليشيا ال دقلو)، ما يتطلب حملات توعية بفوائدها.
التوازن بين الاستقلال والمشاركة:
يجب ألا تكون الحكومة منعزلة عن المطالب الشعبية، بل تعمل ضمن إطار تشاركي مع المجتمع المدني والنقابات( نقابات القطاعات الفئوية المساندة لحرب الكرامه)
٤. كيف يمكن تحقيق هذه الحكومة؟
إجماع وطني:
توافق القوى السياسية والفصائل المُسلحة على تفويض كفاءات مُحايدة لإدارة المرحلة الانتقالية، كجزء من اتفاق سلام شامل.
دعم دولي وإقليمي: ضمان ضمانات من الجهات المانحة والمجتمع الدولي لتمكين الحكومة من تنفيذ إصلاحات دون شروط سياسية مُجحفة.
آليات مساءلة: إنشاء هيئات رقابية مستقلة (برلمان مؤقت، هيئة قضائية) لمراقبة أداء الحكومة ومنع الانفرادية في القرار.
٥. الخلاصة:
السودان أمام مفترق طرق؛ إما الاستمرار في الحلول الترقيعية والتخديريه التي تعمق الأزمات، أو تبني نموذج حكم تكنوقراطي يستند إلى الكفاءة والاستراتيجية. هذا النموذج ليس “رفاهية”، بل هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الطويل الأمد، واستعادة ثقة المواطن، وبناء دولة قادرة على تجاوز إرث الحروب والفساد والاستغلال. لكن نجاحه يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ودعمًا شعبيًّا، وإطارًا مؤسسيًّا يضمن التوازن بين السلطة والمساءلة.
٢٧/ ١ / ٢٠٢٥م