مقالات

المقاومة الشعبية طوق نجاة السودان

محمد بابكر:

في اللحظات الحالكة من تاريخ الأمم عندما تتكالب عليها التهديدات من الداخل والخارج وتحاك المؤامرات لتمزيق وحدتها لا يبقى هناك من يراهن عليه سوى إرادة الشعب وما يشهده السودان اليوم ليس إلا تجسيداً حياً لهذه الحقيقة الأزلية حيث ولدت “المقاومة الشعبية” من رحم المعاناة لتكون خط الدفاع الأخير وسور الحماية الذي يحمي البلاد من السقوط في هاوية التفكك.

بدأت فكرة المقاومة الشعبية المسلحة والاستنفار بشكل أساسي من المواطنين أنفسهم كرد فعل على الانتهاكات التي تعرضوا لها مثل النهب والسرقة والقتل خاصة في المناطق التي لا يوجد بها وجود عسكري كافٍ لحمايتهم. ومع تزايد معاناة المواطنين برزت المقاومة كحل لحماية الأنفس والمنازل والممتلكات خاصة في القرى والمناطق النائية.

لم تكن المقاومة الشعبية مجرد رد فعل مسلح بل هي وعي وطني عميق تجلى في أبهى صوره. هي قصة أمة ترفض أن يكتب تاريخها بأقلام الغرباء أو تباع أرضها في أسواق المؤامرات.
عندما تحدث رئيس اللجنة القومية للاستنفار الفريق الركن بشير مكي الباهي اليوم في بورتسودان لم يكن يلقي مجرد خطاب بل كان يعبر عن نبض الشارع السوداني الذي اختار الوقوف خلف قواته المسلحة دفاعا عن وجوده وكرامته.

لقد لخص الفريق الباهي جوهر المعركة حين وصف المقاومة بأنها “كيان وطني جامع استجابة لنداء الوطن دفاعاً عن الأرض والعرض”.

هذه ليست مجرد شعارات بل هي الحقيقة التي يعيشها آلاف السودانيين الذين تركوا أعمالهم ومنازلهم وحملوا السلاح ليس حباً في القتال بل غيرة على وطن يراد له أن يتشظى.
لقد أدركوا بفطرتهم أن المعركة تجاوزت كونها صراعا على السلطة لتصبح معركة وجود ضد “مليشيا متمردة” تحولت إلى أداة في مشروع تخريبي يستهدف الدولة السودانية ومؤسساتها.

إن ما أسماه الفريق الباهي “العدوان الخارجي والتهديد الداخلي” ليس وهما بل هو واقع ملموس فالدعم اللوجستي والسياسي الذي تتلقاه المليشيا من أطراف خارجية والذي دفع الحكومة للمطالبة بإبعاد دولة الإمارات من الآلية الرباعية يؤكد أن المؤامرة أكبر من مجرد تمرد داخلي وهنا يكمن الدور التاريخي للمقاومة الشعبية لقد أفشلت الرهان على انهيار الجيش السريع وخلطت أوراق المخطط الذي كان يهدف إلى إغراق البلاد في فوضى شاملة تمهيداً لتقسيمها.

لقد أثبتت هذه المقاومة أنها ليست مجرد قوة قتالية بل هي مشروع نهضة مجتمعية. فكما أشار الفريق الباهي لم يقتصر دورها على إسناد الجيش في محاور القتال بل امتد ليشمل “الإسناد المدني في إعادة التأهيل والإعمار” مما يؤكد أنها حركة بناء لا حركة هدم.

اليوم يقف السودان على قدميه بفضل تضحيات أبنائه في القوات المسلحة والمقاومة الشعبية. إنها ليست مجرد “حرب كرامة” بل هي معركة استعادة وطن. وكل من يراهن على تفكك السودان سيجد أمامه شعباً عصياً على الانكسار شعباً قرر أن يأخذ مصيره بيده وأن يكتب مستقبله بدم أبنائه وعزيمتهم التي لا تلين. المقاومة الشعبية هي الرد العملي على كل المؤامرات وهي البرهان الساطع على أن السودان باقٍ ومنيع.
تتميز المقاومة الشعبية بأنها تضم سودانيين من مختلف التوجهات السياسية والفكرية وتقف خلفها رموز ثقافية ونخبوية متنوعة.
هذا يجعلها من هذا المنظور تجسيدًا للوحدة الوطنية في مواجهة أية خطر خارجي.

إلى جانب الدور العسكري لعبت لجان المقاومة دورًا حيويا في تقديم الخدمات للمدنيين المتضررين من الحرب، حيث قامت اللجان بتوزيع الغذاء وتوفير الرعاية الطبية والمأوى للنازحين. وعملت على بناء جسور التواصل بين مختلف الفئات السكانية لتعزيز التعايش السلمي. وتصدت للانتهاكات وعملت على دعم الضحايا وتعزيز مبادي العدالة.
إن حمل المواطنين للسلاح للدفاع عن أنفسهم وبيوتهم هو حق مشروع خاصة عند مواجهة هجمات تستهدف المدنيين بشكل مباشر. وقد جاءت دعوات الاستنفار من أعلى المستويات العسكرية مما أضفى عليها طابعًا رسميًا كجزء من المجهود الحربي الوطني.

باختصار تعتبر المقاومة والاستنفار في السودان هما استجابة شعبية منظمة وضرورية لحماية الأرواح والممتلكات والكرامة الوطنية في ظل ظروف استثنائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى