صحة وبيئة
أصابع الفساد تعبث بتمويل المناخ

إخلاص نمر:
أوضح التقرير الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، حول مؤشر مدركات الفساد للعام 2024 أن العديد من الدول التي تلعب دورا في دبلوماسية المناخ، عكست تراجعا في درجاتها وأمنت المنظمة ما أسمته بالحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات فورية لتعزيز الشفافية والمساءلة.
ووفقا للتقرير ، (سجل أكثر من ثلثي الدول أقل من 50 نقطة من أصل 100على مقياس الفساد بينما ظل المتوسط العالمي ثابتا عند 43 نقطة، الأمر الذي يبرز استقرار معدلات الفساد عند مستويات مقلقة).
ورغم أن 32 دولة قد أظهرت تقدما منذ عام 2012، إلا أن 148دولة ظلت راكدة وفق التقرير وشهدت كذلك تراجعا.
وهنا وصفت المنظمة ذلك بأنه (تأثير مدمر للفساد على الجهود المناخية العالمية).
إبعاد الحكومات
وعطفا على ماورد في التقرير من وصف تفصيلي دقيق للفساد ،ينادي الدكتور محمد الفاتح احيمر، بضرورة تسليم الأموال الممنوحة لجهات معتمدة تعمل على توجيهها ،وتطبيقها بجدية مع اعلاءاهمية التقييم ،منوها لعدم تسليم الأموال للحكومات .
حماية التمويل
وقالت مايرا مارتينين الرئيسة التنفيذية لمنظمة الشفافية الدولية (يتعين علينا استئصال الفساد على وجه السرعة، قبل أن يعرقل بشكل كامل العمل المناخي الهادف، يتعين على الحكومات والمنظمات متعددة الأطراف، إدراج تدابير مكافحة الفساد في الجهود المناخية من أجل حماية التمويل ،واعادة بناء الثقة ) وأردفت لاتشكل القوى الفاسدة السياسات فحسب ،بل أنها غالبا ماتفكك الضوابط والتوازنات ،مايؤدي لإسكات الصحفيين والناشطين والمكافحين من أجل المساواة والاستدامة .وتابعت تتطلب المرونة المناخية الحقيقية ،معالجة هذه التهديدات بشكل مباشر وحاسم ).
سرقة
ويسلط مؤشر مدركات الفساد، الضوء على مليارات الدولارات من أموال المناخ المعرضة للسرقة وإساءة الاستخدام ، وسجلت اغلب البلدان المعرضة بشدة لتغير المناخ، أقل من 50درجة على مؤشر مدركات الفساد.
يضعف هذا الفساد مشروعات المناخ ،التي تهدف لحماية الناس ،ويبرز ذلك الحاجة الملحة لتدابير شفافية قوية بجانب المساءلة لضمان الاستخدام الفعال للأموال.
استدامة
وهنا وفي سؤال لبروفسور النور الصديق خبير البيئة ،حول دور آلية الشفافية ، وكيفية تنفيذ تداولها بكامل النجاح، أكد الصديق أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ ، ومنذ إعلانها عام 1992في مؤتمر قمة الأرض، شددت على الالتزام بالشفافية في كل المسائل المرتبطة بالمعلومات الحقيقية في حصر الغازات الدفيئة ومستوى حالتها واتجاهها. وأردف (لبلوغ البشرية تعزيز حقوقها المختلفة، يجب على الدول والمؤسسات والمجتمعات، باختلاف مؤسساتها في التنمية أن تتعاون في صنع القرار الشفيف وتنفيذه).
سوء استخدام
وعن سوء استخدام أموال المناخ وتأثيرها على جهود الاستدامة والتكيف المناخي في السودان ، نبهت الدكتورة إسلام عوض، خبيرة تمويل المناخ والطاقة المتجددة إلى ضرورة ضمان الإدارة الفعالة لأموال المناخ، أن أجل تحقيق التنمية المستدامة في السودان، مبينة أن الموارد تلعب دورا رئيسيا في تعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية، مثل مكافحة التصحر ،وادارة المياه ،وتطوير الطاقة المتجددة، أمنت قائلة (تواجه إدارة هذه الأموال تحديات بضعف الحوكمة ،ماقد يؤدي إلى عدم توظيفها بشكل أمثل في تحقيق الأهداف المناخية المرجوة ).
الشرق الأوسط وشمال افريقيا
يسترسل التقرير ويوضح، أن الفساد مازال يستشري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يعرقل الجهود الحاسمة للعمل المناخي والتنمية،ووصف التقرير المنطقة بأنها لم تشهد سوى تقدما ضئيلا على مدى السنوات الاثنتي عشره الماضية ،حيث ارتفع متوسط درجاتها بنقطة واحدة فقط ،الى39من مجموع 100، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 43.
180 دولة
ويحوي التقرير بين طياته ويصنف مؤشر مدركات الفساد، ويعدد أن 180بلدا واقليما من خلال مستوياتها المدركة للفساد للقطاع العام على مقياس من صفر (شديد الفساد )إلى 100(شديد النزاهة).
وتابع التقرير أن من بين الدول العربية سجلت الإمارات العربية المتحدة (68)وقطر (59) والمملكة العربيه السعودية (59) أعلى الدرجات بينما سجلت ليبيا (13)، واليمن وسوريا (13) أسوأ الدرجات أما البحرين (53) درجة ،بزيادة 17نقطة من (36)في عام 2017، والكويت (46) بزيادة سبع نقاط من( 39)، ولبنان (22) أكبر انخفاضا، حيث سجل نقصا ست درجات من (28) في العام 2019.
ويذكر التقرير أن المغرب أقر مشروع القانون 23.03،الذي يمنع المنظمات غير الحكومية ،من رفع دعاوى قضائية ،ضد حالات اختلاس الأموال ،التي تشمل مسؤولين أو موظفين حكوميين ،مالم يطلب المدعي العام ذلك .
هشة
ونقرأ في التقرير أن معظم البلدان التي سجلت أسوأ الدرجات، هي بلدان هشة تعاني صراعات كثيرة مثل جنوب السودان( 8) نقاط من ( 100) والصومال (9) نقاط، وفنزويلا (10)نقاط، وسوريا ( 12) نقطة، وإريتريا (13 )، وغينيا الاستوائية (13)، ولم يهمل التقرير التطورات الإيجابية، إذ أبرز التقرير أن الدنمارك أحرزت (90) نقطة للمرة السابعة على التوالي إذ سجلت بذلك المرتبة الأولى باعتبارها الدولة الأقل رشوة وفسادا وبعدها فنلندا (88) نقطة ثم سنغافورة (84) نقطة ونيوزلندا (83) ولوكسمبيرج والنرويج وسويسرا (81) لكل دولة وخلص التقرير إلى أن حوالي 6.8 مليار شخص من سكان العالم، أي 85% يعيشون في دول تقل فيها درجات مؤشر الفساد عن 50 درجة.
الدور الأكبر
ويتواصل حديث الصديق ردا على سؤال حول شفافية المعلومات والبيانات المرتبطة بالمناخ ، قائلا (أن الحكومات في الدول النامية تتصف بعدم الشفافية في إدارة البلاد ،الامر الذي سينعكس على مستوى الشفافية في المسائل المرتبطة بتغير المناخ وختم حديثه هنا يلعب الفساد الدور الأكبر ).
معالجات
يطرح التقرير كذلك عددا من معالجة الفساد في قطاع المناخ والتي فصلها في إنشاء هيئات رقابية مستقلة لمراقبة تنفيذ مشاريع المناخ وضمان عدم إساءة استخدام التمويلات ،اضافة لفرض عقوبات صارمة على الأفراد والشركات المتورطة في الفساد البيئ، وتعزيز تبادل المعلومات بين الدول حول ممارسات الفساد لضمان التنسيق.
وهنا توضح إسلام عوض ويتفق معها الصديق في التطبيق الأمثل للشفافية التي تعتمد بناء الثقة والاعتماد على نظم القياسات وجمع المعلومات والوصول بها إلى التقارير الشفافة، وتنوه عوض إلى ضرورة توضيح تفاصيل التمويل المناخي بما في ذلك مصادر التمويل ،والجهات المنفذة للمشروعات والمخرجات المتوقعة، ووفق عوض فإن ذلك يعزز من الحوكمة والشفافية.
وزارة سودانية
وتبين إسلام مطلوبات ودور وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان ،والتي يقع عليها عبء ادارة الموارد المالية ،بما فيها الأموال المخصصة للمشاريع المناخية، قائلة (هنا تبرز أهمية كشف تفاصيل مصادر التمويل والجهات المنفذة وأوجه الصرف التي يجب أن تكون جميعها تحت بند التغير المناخي ) وزادت (الالتزام بالمعايير المحاسبية الدولية مهم جدا في إعداد الميزانية السنوية والتقارير المالية لضمان الدقة والشفافية ).
وردا على ماورد في التقرير من توصيات ومعالجات مهمة ، أفرد الصديق حديثه بالتركيز على التنسيق كألية تجمع بين المؤسسات برمتها ،منبها إلى أن تباعد التنسيق يؤدي إلى خروج المعلومات بعيدة عن التوافق، واصفا ذلك بأنها (تزيد الأمر تعقيدا).
مجتمع مدني
ويعلي التقرير من تعزيز مشاركة المجتمع المدني ،في عمليات صنع القرار البيئ لضمان مساءلة الحكومات والمؤسسات ، وتكشف هنا اسلام عوض موضحة أنها تناصر ذلك ،بجانب تعزيز دور المؤسسات البحثية والمجتمع المدني في تقييم السياسات المناخية .
معايير ..
وشددت عوض في ختام حديثها على الامتثال التام للمعايير الدولية في مكافحة الفساد المالي، وينوه الصديق إلى أن مايدفع تحريك الدعم المالي نحو زيادة الطموح في معالجة قضايا المناخ، هو بناء الثقة وتقوية آليات المساءلة.
مقياس..
الجدير بالذكر، أن مؤشر مدركات الفساد ،ومنذ العام 1995عمل على ترسيخ وجوده كمقياس رائد عالميا لمستويات الرشوة والفساد ، وهو يعمل على تقييم 180بلدا ومنطقة،على أساس إدراك الفساد ،وهو يعتمد على مصادر خارجية متعددة ،اهمها البنك الدولي المنتدى الاقتصادي العالمي، شركات استشارية خاصة ومراكز الأبحاث.