مقالات
السودان بين الحرب والنزوح: هل ينجو من أكبر أزمة إنسانية في تاريخه؟

د.عبدالناصر سلم حامد:
منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، دخلت البلاد في واحدة من أسوأ أزماتها الإنسانية حيث تسبب النزاع في مقتل الآلاف وتشريد الملايين ونزوح أكثر من 11 مليون شخص داخليًا بينما فرّ أكثر من 3 ملايين إلى دول الجوار. مع تصاعد العنف انهارت البنية التحتية وتدهورت الأوضاع الصحية والاقتصادية مما جعل الأزمة أكثر تعقيدًا.
لم تعد الحرب في السودان مجرد صراع داخلي بل تحولت إلى قضية إقليمية ودولية تتداخل فيها المصالح والتدخلات مما أسهم في إطالة أمد النزاع وتعثر الحلول السياسية. في هذا المقال نستعرض أسباب الحرب وتداعياتها وتأثير التدخلات الإقليمية والدولية والمعاناة الإنسانية مع البحث في سبل إنهاء الأزمة وتحقيق الاستقرار ومستقبل السودان في ظل هذا الصراع.
السودان في قلب الصراع: حرب بلا نهاية؟
تعود جذور النزاع إلى التوترات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حول دمج الأخيرة في القوات المسلحة وهو ما أدى إلى تصاعد التوترات السياسية والعسكرية. تفاقم الوضع بعد الإطاحة بنظام البشير في 2019 حيث لم تنجح محاولات تشكيل حكومة مدنية مستقرة مما أدى إلى انهيار العملية الانتقالية وتحول الخلاف إلى حرب شاملة تهدد وحدة البلاد.
أزمة النزوح واللجوء تعدّ أحد أبرز تداعيات الحرب حيث نزح داخليًا أكثر من 11 مليون شخص مما يجعلها أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم حاليًا كما فرّ أكثر من 3 ملايين إلى الدول المجاورة حيث استقبلت مصر حوالي 1.2 مليون لاجئ وجنوب السودان أكثر من مليون بينما استقبلت تشاد حوالي 939 ألف شخص.
دور القوى الإقليمية والدولية في تأجيج الحرب أو احتوائها
التدخلات الخارجية لعبت دورًا رئيسيًا في استمرار النزاع حيث تقدم بعض الدول دعمًا مباشرًا وغير مباشر للأطراف المتحاربة بينما تحاول دول أخرى لعب دور الوساطة دون تحقيق نجاح ملموس.
مصر والسعودية: الاستقرار أولًا
موقف مصر
ترى مصر أن استقرار السودان مسألة حيوية لأمنها القومي إذ تخشى أن يؤدي انهيار الدولة السودانية إلى تهديد حدودها الجنوبية بسبب تدفق اللاجئين وانتشار الفوضى كما أن أي اضطراب في السودان يعقد أزمة مياه النيل ويؤثر على المشاريع المشتركة في هذا الملف إضافة إلى تضرر العلاقات الاقتصادية بين البلدين خاصة في مجالات التجارة والاستثمار.
موقف السعودية
على الرغم من موقفها الحيادي في النزاع إلا أن السعودية سعت إلى الوساطة من خلال مفاوضات جدة لإيقاف القتال والتوصل إلى اتفاق سياسي. يركز اهتمام المملكة على استقرار السودان لحماية الملاحة في البحر الأحمر الذي يمثل ممرًا استراتيجيًا للتجارة الدولية والحفاظ على الاستثمارات السعودية في القطاع الزراعي السوداني إضافة إلى منع تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة التي قد تهدد الأمن الإقليمي.
بالمقارنة مع بعض الدول الأخرى التي تسعى إلى تحقيق مكاسب استراتيجية فإن مصر والسعودية لم تنخرطا في دعم أي طرف عسكري بشكل مباشر بل ركزتا على استقرار السودان ومنع انهياره.
معاناة اللاجئين السودانيين: قصص الألم والمجهول
مع تزايد أعداد النازحين داخل السودان واللاجئين في دول الجوار تتفاقم المعاناة الإنسانية بشكل غير مسبوق حيث يعاني هؤلاء من نقص الغذاء والمياه والرعاية الصحية في ظل ضعف استجابة المجتمع الدولي.
على الرغم من مناشدات المنظمات الدولية بتقديم الدعم إلا أن التمويل لا يزال غير كافٍ حيث تحتاج الأمم المتحدة وشركاؤها إلى مليارات الدولارات لتغطية احتياجات اللاجئين والنازحين لكن معظم الدول المانحة تركّز على أزمات أخرى مثل أوكرانيا مما يزيد من عزلة السودان عن المشهد العالمي.
الإعلام والدبلوماسية: لماذا السودان ليس أولوية دولية؟
لا تحظى الحرب السودانية بنفس الاهتمام الإعلامي الذي تحظى به صراعات أخرى مثل الحرب في أوكرانيا مما يجعل الأزمة السودانية خارج نطاق التأثير السياسي العالمي. يرجع ذلك إلى عدة أسباب منها عدم وجود مصالح اقتصادية كبرى للقوى العظمى في السودان إضافة إلى قلة اهتمام الرأي العام الدولي بهذه الأزمة مقارنة بالأزمات التي تؤثر مباشرة على أوروبا والولايات المتحدة.
أما الدبلوماسية الدولية فقد فشلت حتى الآن في تحقيق أي تقدم حقيقي إذ تعاملت القوى الكبرى مع الأزمة باعتبارها نزاعًا إقليميًا وليس كارثة إنسانية عالمية مما أدى إلى غياب الضغط الدولي الفعّال وفشل الوساطات في تحقيق أي تسوية سياسية.
هل هناك أمل في إنهاء الحرب؟ الحلول الممكنة
يتطلب إنهاء الحرب نهجًا شاملًا يبدأ بفرض هدنة دائمة تحت إشراف دولي يتبعها تشكيل حكومة انتقالية مدنية تشمل جميع الأطراف لضمان عدم تكرار النزاع كما يجب محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات عبر تحقيق دولي لضمان العدالة والمصالحة.
الحلول الإنسانية
• توسيع نطاق المساعدات الإنسانية وضمان وصولها إلى المحتاجين داخل السودان
• تقديم دعم مالي للدول المستضيفة للاجئين لتخفيف الضغط على مواردها
• منح اللاجئين السودانيين تصاريح عمل مؤقتة لتمكينهم من الاندماج الاقتصادي
الحلول الاقتصادية
• إطلاق صندوق دولي لإعادة الإعمار لإصلاح البنية التحتية المدمرة
• تشجيع الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية لتوفير فرص عمل للنازحين والعائدين
• تخفيف العقوبات الاقتصادية التي تعيق تدفق المساعدات وإعادة التنمية
الحلول الدولية
• منع تدفق الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة لوقف التصعيد العسكري
• الضغط عبر العقوبات الدبلوماسية لإجبار الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات
• تعزيز الوساطات الإقليمية مع إشراك الدول المجاورة لضمان استقرار السودان
السودان ومصير النزاعات السابقة: هل يعيد التاريخ نفسه؟
شهد السودان أزمات مشابهة في الماضي أبرزها حرب دارفور التي أدت إلى نزوح أكثر من مليوني شخص والحرب الأهلية التي انتهت بانفصال جنوب السودان هذه الأزمات تظهر أن النزاع الحالي قد يطول لسنوات ما لم يتم التدخل بجدية لمنع انهيار الدولة السودانية
خاتمة: هل يمكن إنقاذ السودان؟
إنقاذ السودان ليس مسؤولية السودانيين وحدهم بل مسؤولية المجتمع الدولي بأكمله فاستمرار النزاع دون تدخل دولي فعّال يعني تصاعد الأوضاع إلى مستويات كارثية ستؤثر على المنطقة بأكملها إذا لم يتحرك العالم اليوم فإن الأجيال القادمة في السودان ستواجه دولة منهارة مما سيؤدي إلى موجات نزوح جديدة وتزايد الفوضى في إفريقيا والشرق الأوسط لا يزال هناك متسع من الوقت لتجنب السيناريو الأسوأ لكن كل يوم يمر دون حلول ملموسة يزيد من تعقيد الأزمة المطلوب ليس مجرد مفاوضات سياسية بل إجراءات فعلية لإعادة بناء السودان ومنع تحوله إلى دولة فاشلة بالكامل.
د.عبدالناصر سلم حامد:
كبير الباحثين ومدير برنامج شرق أفريقيا والسودان في فوكس
باحث في اداره الازمات ومكافحه الارهاب