مقالات

من الاستثمار العشوائي إلى الاستثمار التنموي المسؤول.. رؤية لإصلاح بيئة الاستثمار في السودان

د.صلاح عمر الطيب:

إن تعزيز الاستثمار ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لتحقيق التنمية الوطنية الشاملة. وعلى ضوء التجارب السابقة التي شابها القصور في التخطيط والتنفيذ، وخاصة تلك التي تسببت في نزاعات مجتمعية أو رسخت التهميش في مناطق الاستثمار، بات من الضروري إعادة ضبط فلسفة الاستثمار في السودان، على النحو التالي:
أولاً: توجيه الاستثمار نحو القطاعات الإنتاجية
يجب أن يُعطى الأولوية في منح الفرص الاستثمارية للمشروعات التي تساهم في زيادة الإنتاج، وتدعم الاقتصاد الحقيقي، مثل:
المشاريع الزراعية والحيوانية التي تعزز الأمن الغذائي.
الصناعات التحويلية التي تضيف قيمة للموارد المحلية وتقلل الاعتماد على الاستيراد.
مشروعات البنية التحتية (الطرق، السكك الحديدية، الطاقة) بنظام الشراكة (BOT) لضمان الاستدامة دون تحميل الدولة أعباء مالية مباشرة.
ثانياً: صياغة العقود الاستثمارية بشكل يضمن العدالة المجتمعية
من أهم التحديات التي واجهت السودان في التجارب الاستثمارية السابقة هو غياب البُعد الاجتماعي، مما أدى إلى:
تفجّر نزاعات بين المستثمرين والسكان المحليين.
الشعور بالإقصاء في مناطق تعاني أصلًا من التهميش.
لذا، يجب أن تنص العقود الاستثمارية صراحةً على:
1. الالتزام بالمسؤولية المجتمعية، عبر إقامة مشاريع تنموية في الصحة والتعليم والبنية التحتية في مناطق الاستثمار.
2. أولوية التوظيف والتدريب للسكان المحليين.
3. حماية البيئة والموارد الطبيعية.
4. آليات واضحة لفض النزاعات وحق المجتمعات المحلية في الرقابة والمتابعة.
ثالثاً: قصر المشاريع الاستهلاكية على رأس المال المحلي
نظرًا لطبيعة رأس المال الوطني الذي يتسم بالحذر ويسعى للربح السريع، فمن المناسب ترك المشاريع ذات العائد التجاري السريع (مثل تجارة التجزئة، المطاعم، الخدمات…) للمستثمرين المحليين، فهم الأقدر على إدارتها، مما يعزز الدورة الاقتصادية الداخلية.
رابعاً: إصلاح البيئة القانونية والمؤسسية
تعديل قانون الاستثمار ليتضمن مواد صريحة تُلزم المستثمرين بالمساهمة في تنمية المجتمعات المحلية، تأسيس هيئة رقابية مستقلة لمتابعة تنفيذ التزامات المستثمرين، الشفافية في منح التراخيص وتحديد أولويات الاستثمار بناءً على احتياجات البلاد لا على المصالح الضيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى