مقالات

كان لازم تحصل حرب (2)

بِذرة الحيـــــــــاة

وفـــاء جميــــل:

bidhrtalhayaa206@gmail.com

وكيف لا تحصل حرب !! ما دام واقع و حال الإعلام يغني عن السؤال ..!!
أمّا عن آثار الحرب وأضرارها كما هو مرئي ، فهي كبيرة جداً و مؤثرة على البشرية سلباً؛ حيث تُهدِر موارد الشعوب وثرواتهم، و تُودي بِحياة الكثير من الأشخاص دون سبب عقلاني أو إنساني ، كما أنّها مسبب قوي لِكبح جِماح التقدم على مختلف الأصعدة سواء اقتصادياً أو اجتماعياً أو غير ذلك، كما تزيد الحروب من معدل ارتكاب الجرائم، و تزيد من نسبة البطالة في المجتمع، و تُضعِف معنويات الأفراد، و تُضعِف القيم الحسنة في المجتمع، إلاّ مَنّ رَحِم ربي ..
والمُلاحظ‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬إنّ‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لتغطيتها‭ ‬لا‭ ‬يتسم‭ ‬بالآنية‭ ‬والمزامنة‭ ‬لواقع‭ ‬الميدان،‭ ‬فالراديو‭ ‬و التلفاز‭ ‬و الصحافة‭ ‬ينقصها‭ ‬البثّ‭ ‬المباشر‭ ‬من‭ ‬الميدان،‭ ‬ولذا‭ ‬يسهل‭ ‬تزييف‭ ‬الحقائق‭ ‬وفق‭ ‬منظور (‬حارس‭ ‬البوابة) المُحرر‭ ‬لهذه‭ ‬الوسائل،‭ ‬و‬التغطيات‭ ‬الإعلامية‭ ‬لها‭ ‬وفق‭ ‬منظور‭ ‬الجهات‭ ‬المرسلة‭ ‬لهذه‭ ‬الأخبار‭. ‬وقد‭ ‬تطور‭ ‬أسلوب‭ ‬الدعاية‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬المفكر (‬أفرام‭ ‬نعوم‭ ‬تشومسكي) ‬في‭ ‬كتابهِ (‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الإعلام إنّ‭ ‬أول‭ ‬عملية‭ ‬دعائية‭ ‬حكومية‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي (وودر‭ ‬ويلسون‭ ‬1916م)،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يرغب‭ ‬دخول‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬و إعتمد‭ ‬في‭ ‬حملته‭ ‬الإنتخابية‭ ‬شعار (سلام‭ ‬بدون‭ ‬نصر) ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬الحرب‭ ‬قامت‭ ‬إدارته‭ ‬بإنشاء‭ ‬لجنة‭ ‬للدعاية‭ ‬الحكومية‭ ‬أطلق‭ ‬عليها (‬لجنة‭ ‬كريل) ‬مهمتها‭ ‬توجيه‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬السلم‭ ‬إلى‭ ‬حال‭ ‬الحرب،‭ ‬و مِن‭ ‬خلال‭ ‬التجييش‭ ‬و إثارة‭ ‬هيستيريا‭ ‬ضد‭ ‬الرعب‭ ‬الشيوعي‭.‬.

فكُل هذا‭ ‬يعطي‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية ‬(سِلماً أو حرباً) مِنّ‭ ‬خلال‭ ‬نقل‭ ‬الأخبار‭ ‬و تحليل‭ ‬الأحداث بِمسؤولية،‭ ‬و إنّ‭ ‬كان قد‭ ‬تطبّع ‬هذا‭ ‬الإعلام‭ ‬بطابع‭ ‬كل‭ ‬جيل‭ ‬و أدواته‭ ‬و تقنياته‭ ‬و وسائله‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خِلالها‭ ‬أن‭ ّ‬يؤدّي‭ ‬وظائفه‭ ‬المعروفة‭ ، ‬و بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الاستقصاء‭ ‬التطوري‭ ‬التاريخي‭ ‬للإعلام‭ ‬اجتزئ‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬خلال‭ ‬الحروب‭ ‬والأزمات‭..
إذاً‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬أصبح‭ ‬حاضرًا‭ ‬بِحدّيه‭ ‬الإيجابي‭ ‬والسلبي‭ ‬في‭ ‬السِلم‭ ‬والحرب‭ ‬مما‭ ‬يدُّل‭ ‬على‭ ‬دورهِ‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬التقنية‭ ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬المزيد‭ ‬مِن الأبحاث ‬الإعلامية و الإهتمام به بإعادة قراءة دوره و مهامه و مخاطره ، مع تشكيله مِن جديد بِصورةٍ قومية ألوانها تشمل مضاميناً أكثر تاثيراً و جاذبية ..‭!!‬

أعزائي القُراء :
ماذا تعرفون عن حَرْب الاستنزاف ؟؟!!
حسناً . هي عبارة عن حرب غير مُتصلة، إنّما تهدف إلى إستنفاذ قوى العدو و إنهاء موارده المادية والبشرية، ولكن ما أقصده هنا هو استنزاف الطاقات الأخلاقية و المبادئ المهنية و الروح الوطنية مع الشعور بالأنانية و الدونية قصداً و قهراً بالإنسانية ، بل و استنزاف الموارد المعنوية أيضاً ، إذاً هي حرب الإعلام السوداني الذي يتصنّعها رواد الإعلام المحلي (الغير منضبط) و يصدّرها للخارج ، بل و يصفق لها البلهاء البسطاء واهميّ الزعامة ، قاصريّ الحِيلة ، و محدودي الفِكر .. و كما قِيل : (بلداً ما فيها تمساح يقدل فيها الورل)
هذا لسان حالنا ، فقد تابعتُ بالأمس القريب حديث بعض المحللون السياسيون و هم يعلقون على الاعتداءات التي يمارسها أعداء القومية ، خاصة ما حدث في مدينتَيّ بورتسودان و كسلا ، عندما سُئل أحدهم عن رأئه فيما حدث فأجاب :
(أنا هنا لست بصدد التحدث عن شيء لم أفعله !) حتى إنهار المتابعين من هذا الرّد و إرتفع حاجب الدهشة الذي يؤكد أنّ الدكتوراه و الأستاذية التي يتمتع بها بعض الذين تختارهم القنوات الفضائية لأنّ يتحدثوا بإسم الشعب ، ما هم إلّا شهادات ورقية و عدم أهلية، و ليسو كما نظنهم فطاحلة التحليل السياسي للأحداث الطارئة التي تتسارع وتيرتها تدميراً للأخلاق قبل البنى التحتية للدولة السودانية العريقة ، ففي الآونة الأخيرة طفحت قاذورات كثيرة على سطح (المستنقع الإعلامي السوداني) مِنّ كُتاب رأي و محللون سياسيون إعتلوا المنصات العالمية و المحلية المتواضعة بهم، فإزداد التواضع تموضعاً ، بذلك أرادوا أنّ يرموا بِسهام جهلهم و إستغبائم عقول الشعب السوداني الذي يتأذى منهم و بهم و يتألم عجباً ..!
فلا عجباً يا شعب ، فقد نشز الإعلام السوداني نشازاً أحق بالمسؤوليين أنّ يقفوا عليه ضبطاً له و محاسِبون على الخروقات التي عصفت به وقصمت ظهره و خصمت مِنه شرف المهنية و شموخ الهدف ..
الإعلام السوداني بِحاجة لإعادة و صياغة و رقابة ، فحسرةً أنّ يُترك بلا رقيب أو حسيب يراعي متطلبات المرحلة الراهنة، لأنّ المجتمع السوداني الذي يحيا بِروح القوات المسلحة، حتماً سيموت بغَبَاوَة هؤلاء المُستكتبُون المحللون ، الذين تحللت عقولهم مِن القيم الأخلاقية و الثبات على المبادئ الوطنيةً ..

بلا شكّ أنّ للإعلام دوراً مهماً وحيوياً في الحروب والنزاعات المسلحة، وإنّ هذا الدور أكبر مِن أنّ يتم تجاهله أو التقليل مِن شأنه، أمّا إذا كان إعلام مستهلِك و مستنزِف مثل إعلامنا الحالي الذي يُعّد خصماً خصيماً للوطن، يتسم بالتوجُهات و التطبيل و الميول الحزبي و الجهوي ، حتماً سيفشل ، لأنّه أقل مِن أنّ يحسم نتائج الإقتتال، أو يحدد إسم المُنتصر ، فهذا أجدر به وصفاً مميّزاً (بالإرتجاف) الناتج عن البرود المُفرط في الإحساس بالمسؤولية الوطنية تجاه هذا البلد ..
فالحرب يمكن أنّ تُربَح في الإعلام، بصرف النظر عما يجري في الميدان ، و لأنّ الإعلام ليس المعركة كلها؛ بل هو نصفها الأكبر، كان لابّد أنّ تسنده أوضاع قتالية إعلامية صلبة، أو أنّه يتم إصلاح منظومة الإعلام و ضبطها أيضاً، فإذا لم يتجلّى هذا واقعاً ، يُمكن أنّ يضحى أحد عوامل الهزيمة المهنية والأخلاقية، بل والهزيمة العسكرية العاجلة ..

فيا وزارة الإعلام رسالتي موجهةً لكم و لِغيركم :
الإعلام الواعي، الراكز والمحترم أساس الدولة الراشدة و رمز سيادتها و عِزّتِها ..
كونـــــــــــــــوا بِقدر الفطنة و الوعي و الحِكمة والمسؤولية، و أعلِنـــــــــــــــوها وزارةً (للتربية الإعلامية و الثقافة الوطنية) ..
علموهم بأنّ كلمة الحقّ لا ثمن لها ، بل تسحِقُ المقابل المادي ولا يستحقهُا ، علموهم أنّ الوطن أغلى مِن إقامة هجرة أو تأشيرة سَفَرة، و أنّ تظل حُراً في وطنك أعزّ و أكرم مِن أنّ تظل عَبداً ذليلاً عند (كفيلك)..
علموهم أنّه معيباً أنّ يصبح الوطن ضحيةً و مظلمة، و حراماً أنّ يحيا المواطن بِشهيق ثبات القوات المسلحة الباسلة و يموت بِزفير هؤلاء المرجفون اللِئام ..
أصحـــــــــــــــوا مِنّ سُبات غفوتكم يا وزارة الإعلام السودانية ، فقد طال نومكم المُريب، و طالت القصة المُخزية و تطورت سقطات التعتيم الإعلامي المحلي، و علو صوت أبواق الإعلام الخارجي الذي يعرِكُكُم عَرك الرحى، و يَعرِّيكُم و أنتم لِباساً، فهذا البلد (الغني الفقير) كريمٌ لا محالة، عزيزٌ بلا إستحالة، معطاءً بلا استمالة ..
أعِيـــــــــــــــدوا هيبة و دبلوماسية الإعلام الخارجي للدولة السودانية، حركوا ملفات المستشارية الإعلامية بالخارج، فهذا خيار يجب عدم إسقاطه بالترضيات أو النِفاق أو الإنفاق على حساب الشهداء و الأبرياء الذين يواجهون شبح الخوف والجوع و الموت يومياً.

نعم ، إنّه الوطن حيث لا مجاملة ولا تنازل ولا مساومة في أمنهِ و استقرارهِ وسلامتهِ و ترقيتهِ للأفضل، فهو عَلماً خفاقاً و إعلاماً حُراً و مُعلماً أسباب الوجود لكل الشعوب، بأنّ هذه الأرض الأبيّة لنـــــــــــــــا، ستنجلي درساً مستفاداً للأمم إقتداراً و إقتداءً ..

للحديث بقيّة

نُشر بتاريخ الجُمعة الموافق 9 مايو 2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى