مقالات

المناصب تكليــف لا تشريـــف

بِذرة الحيــاة

وفـــاء جميــــل:

لا يكاد يمضي يوماً دونما أنّ نُسمِع مَنّ يطمعُ في تولي المناصب على أنّها أمانة ومسؤولية، و لا زلِنا نُؤكد على أنّ الوظائف و المواقع التي يحتلونها المسؤولون و الطريقة التي يفترض أنّ ينظرون بها لمراكزهم هي”تكليف لا تشريف” ..!!
و مَنّ الذي يُقنع الحَسَدة الفَجَرة إنّ شغل الموظف (المسؤول) في أي منصب هو واجب عليه، وليس إمتياز أو تشريف أو تكريم له، بل و هي (أماني شعب) تحتاج للمحافظة عليها و القدرة على تحقيقها، و ليست تشريفاً و مفاخرةً، و في هذه الإشارة تذكير بأنّ الأدوار و الأعمال التي يقوموا بها والمراكز التي يحتلونها قد تأتي لهم على إحدى هيئتين: الأولى تكليف أي أنّ المجتمع أو الجهة المخوّلة أسندت هذا الدور لشخص أو لأشخاص و هي على أتم الثقة بِقدرتهم و كفاءتهم و نزاهتهم، أي إلتزام الفرد أو الجماعة بأداء واجبات معينة و تحمُّل نتائج أفعالهم ..
و يكفينا تاريخياً أنّه قد قِيل للحسن البصري : “مَنّ أشد الناس صراخاً يوم القيامة ..؟؟
قال: “مَن زرقهُ الله بِمنصبٍ إستعان به على ظلم الناس” ..!!
إذً المنصب ليس تاجاً يضعهُ المسؤول على رأسهِ، وليس عرشاً يعتلي عليه لِيأمر و ينهي، بل هو خدمة لِقضاء حوائج الناس، و لِمساعدة المجتمع الذي وضعه في ذاك المنصب تكليفاً، إذً فهو تكليف قبل أنّ يكون تشريف ..!!
فهذا يعني أنّ الشخص هو مَن يُشَّرف المنصب إخلاصاً و نزاهةً و وفاءً، ولهذا الغرض جاء التنصيب، وليس العكس ..!!

و إذا عكفنا على الدِين، فقد حرّم الإسلام إستغلال المناصب لِتحقيق أهداف و مصالح شخصية، و أوجب آداء الأمانة بمختلف أشكالها وصوّرها بأحكام مشروطة، و شدّد على أهمية العناية بأمانة المناصب صغُرت أم كبُرت، و التي إنّ روعِيت بِأخلاق فسوف تتحقق مصالح العِباد و البلاد، فتولي المنصب أفعال وليس أقوال، فالمنصب حُسن تصرف مع الأزمات لا إستغلالها لمصلحة شخصية أو جهوية أو حزبية، فالمنصب هو أنّ تكون مواطن كباقي المواطنين، لا أنّ تكون سيداً عليهم، و أنّ تحاول تلبية طلباتهم لا أنّ تزيد مِنّ متاعِبهم ، فبالتالي المنصب هو عطاء ، تواضع ، شرف و أخلاق ..!! و ليست وجاهة ولا قوة، بل هي أمانة و تكليف أمام الله و أمام العباد ، فإنّ أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس..

فماذا عن هؤلاء الغافلون المغفلون، الذين لا يدركون إلاّ الذِلة و الانقياد و الخضوع للمناصب..؟؟!!
و إذا ما كُلِّف صديق أو عدو ، لاذوا القرار بالتعنت و الازدراء على (المُكلِف و المُكلَف) ، فهذه أساليب وضيعة لا تصدر إلاّ مِنّ حاسد جاحد و منقوص الإرادة و مخزون الغُبن و متلازم الفشل ..
أقرب مثال على ذلك لِما رأئناهُ وقتما أصدرت وزارة الثقافة والإعلام بأنّ ملحقيات إعلامية في بعض السفارات سيتم إستئناف العمل فيها، و قد شهدنا حالات هبوط أخلاقي و إغماء مهني لازم تلك التعيينات، ولكَ أنّ تتصوّر عزيزي القارئ كمية الإِرْبَاس و المُعَادَاة و الإِسْتِنْكَار التي واجهت الزملاء الذين تم تكليفهم، علاوةً على ذلك عندما تم تكليف رئيس الوزراء الجديد، حَدِّث ولا حرج ..!!
فهذا يدُّل على مدى وضاعة العقول التي تحيط بالمجتمع السوداني الذي لا و لم يتطوّر و يرتقي، ما لم يَتَمَلَّصَ مِنّ هذه النفوس الإستغلالية الغابرة، التي أفنت و قبرت الإنسان السوداني حيّاً، و أهلكت الأرض بوراً و أسقتها مِنّ جفاف الطمع عَطشاً ..

و مِنّ تلك الواقائع أدرك الجميع أنّ أغلبية السودانيين يتسمون بأنّهم شعب “مُتَمَلِّي” و لا يُحِب الخير لِبني جلدته، أو أنّه “غَيراني” و مُعَادٍ حتى لِفائدة نفسه و رِفعةِ وطنهِ، ولا يبالي ..!!!
و مثل هذه السلوكيات تُعد فايروس مُعدي أدخلتهُ تلك الأحزاب السياسية التي عمِلت على شرزمة السودانيين و تفرقتهم أيديولوجياً، وبلا رحمة، حتى ظنّ الآخرون أنّ هذه الحرب حرب أحزاب و كُتل سياسية، وليست حرباً عسكرية، فهذه الآفة المجتمعية التي تُسمي نفسها أحزاب يجب عدم الانصياع لها، مع ضرورة وضع لها قوانين أخلاقية و وطنية موحدة تُصحح مسارها المجتمعي و تُحدد لها الأدوات الصحية في تعاطيها مع الأمور الطارئة، و كيفية تناولها و تقبُّلها للقرارات المصيرية التي تُشكل الرأي العام و تحقق الوحدة و النهضة الوطنية، و هنا تتم مجابهتها بالترفّع عنها، و “الديمومة” في “إتمام” القرارات المُتخذة و تنفيذها مِنّ أجل المصلحة العامة.

للحديث بقيّة..
الأحد ٢٥ مايو ٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى