مقالات

أمريكا والإفتراء الأكبر

النذير إبراهيم العاقب:

كشف التقرير الأمريكي الاخير والذي بموجبه تم فرض عقوبات على السودان عقب إتهام القوات المسلحة باستخدام أسلحة كيميائية، كشف ومن دون قصد حجم الارتباك الذي أصاب المنظومة الغربية بعد فشل مشروع تمكين مليشيا الدعم السريع الإرهابية المتمردة المدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وإسرائيل وبريطانيا وبتنفيذ مباشر من إمارات الشر الصهيونية.. وذلك عقب التقدُّم الملحوظ للجيش السوداني ميدانياً في معركة الكرامة ودحر المليشيا المتمردة وجناحها السياسي والإعلامي قحت تقدم صمود تأسيس.
وصحيح أن تعيين الدكتور كمال إدريس أزعج عدة أطراف سياسية.. لكن القراءة الحقيقية ليست في محاولة تصوير الأمر على أنه صراع داخلي، وإنما في رصد التحوُّل التدريجي في خطاب الدولة السودانية من حالة دفاع سياسي إلى وضع هجومي يُعيد تشكيل المشهد الإقليمي وتحييده لصالح القوات المسلحة، الأمر الذي أفضى بالضرورة إلى
محاولات الزج بعبارات مثل التيار الإسلامي والكيزان والمجاهدين وهي بالطبع إتهامات ليست بريئة، بل جزء من الحملة الدعائية الممولة من الإمارات والمنظمات الغربية والتي تهدف إلى خلط الأوراق وتشويه حقيقة الصراع القائم في السودان، والذي هو بلاشك
صراع ليس بين مدنيين وإسلاميين، وإنما بين جيش وطني حر ومقاومة شعبية من كل التيارات السياسية والشعب السوداني في معركة مصيرية تهدف لتحرير البلاد من مليشيا إجرامية ومرتزقة عابرين للحدود، وبين منظومة إقليمية دولية كانت تراهن على تفتيت الدولة السودانية من الداخل.
وكل من يتحدث عن تحالفات داخل الجيش وصراعات داخل الكتلة السياسية في السودان، يتجاهل أن وحدة القيادة العسكرية السودانية وانتصاراتها وصمودها لعامين أمام حرب إقليمية مُعقَّدَة هو بِحَدِّ ذاته إنجاز غير مسبوق، وتأكيد على فشل استخباراتي كبير للطرف الآخر، بما فيه الجهات الدولية والإقليمية الداعمة له.
أما الحديث عن وجود فصائل إسلامية تتحكم في القرار السياسي والإعلامي والعسكري السوداني فما هو إلَّا محاولة مُكرَّرَة لتكرار النموذج السوري والليبي لتفتيت السودان وتقسيمه لدويلات، لكن لاشك أن السودان يختلف، من منطلق إمتلاكه لخصوصية مختلفة تماماً تمثلت في صموده أمام المؤامرة الكبيرة وإفشاله لها باستبسال الجيش السوداني والذي لم يَنْهَر رغم الحصار والعقوبات والمؤآمرة الدولية والإقليمية الكبرى ضده.
فضلاً عن صمود الحكومة السودانية أمام محاولات العزل الدولي، وبسند واسع من الشعب السوداني بكل فئاته الحرة، والذي لم ينخرط في مشاريع التقسيم ولا في الحرب الأهلية، وإنما وقف سنداً صامداً للقوات المسلحة السودانية في معركة الكرامة.
أما بخصوص التهديد الأمريكي بإنفاذ العقوبات بسبب استعمال القوات المسلحة السودانية لأسلحة كيميائية في حربها ضد مليشيا الدعم السريع الإرهابية المتمردة ماهو إلا إتهام باهت أُطلِقَ دون دليل، وهو جزء من محاولات الضغط على قيادة القوات المسلحة السودانية الحرة الباسلة صمام أمان الوطن والمواطن بعد أن أفشلت كل محاولات تحجيمها ميدانياً بصمودها ودحرها للمليشيا المتمردة.
ولعله وفي الوقت الذي حذَّر فيه التقرير الأمريكي وبتحريض من من يسمون أنفسهم قيادات قحت تقدم صمود تأسيس العملاء الخونة نكبة وسُبَّة السودان الجناح السياسي والإعلامي لمليشيا الدعم السريع من تصاعد النفوذ الإسلامي.. وقيادة الكيزان للمعركة، ماهو إلا ذر للرماد في العيون، وفي ذات الوقت يتجاهل بشكل فاضح الدعم الإماراتي الكبير للمليشيا المتمردة، ولا يذكر شيئاً عن مئات الطائرات الإماراتية التي تهبط في دول الجوار ودارفور يومياً وآلاف المرتزقة من ليبيا وتشاد وجنوب السودان ومالي والنيجر وإفريقيا الوسطى الذين دخلوا السودان بدعم إماراتي لقتال جيشه الوطني.
الخلاصة الإستراتيجية تؤكد أن هذا التقرير يعكس بشكل بائن إرتباكاً أمريكياً واضحاً بعد أن بدأت ملامح إنتصار الجيش السوداني في التكوُّن، ويريد أن يصنع من التعيينات السياسية أزمة داخلية لإضعاف الجبهة الوطنية السودانية،
لكن الواقع هو أن المعركة تجاوزت الصراعات الأيديولوجية، وتحوَّلت إلى معركة وجود بين مشروع الدولة ومشروع التمزيق الخارجي.
وبناءً عليه.. على كل القوى الوطنية أن تتكاتف وتتعاون لتجاوز الخلافات الثانوية، ودعم القوات المسلحة بلا شروط، والعمل الجاد لفضح التحركات الدولية المشبوهة التي تسعى لإعادة إنتاج الفوضى ويُفضي إلى تقسيم السودان من جديد وفصل دارفور عن الخارطة السودانية بذات الكيفية التي تم بها فصل جنوب السودان، وذلك إنفاذاً للمخطط الغربي الرامي لتقسيم السودان إلى عدة دُوَل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى