مخاطر دمج وزارة الري والموارد المائية في وزارة الزراعة أو الكهرباء

م . أ. ياسر السر:
مقدمة:
في ظل محاولات الإصلاح الإداري وتقليص الإنفاق العام، برزت في السودان مقترحات تهدف إلى دمج بعض الوزارات، ومنها وزارة الري والموارد المائية في وزارات مثل الزراعة أو الكهرباء. ورغم ما قد يبدو من منافع إدارية أو مالية على المدى القصير، إلا أن هذا التوجه ينطوي على أضرار استراتيجية خطيرة، خاصة في بلد يعاني من أزمات مائية مزمنة، وتحديات جغرافية وسياسية معقدة مثل السودان.
أولًا: التأثير على الأمن المائي الوطني
السودان يعتمد بشكل رئيسي على مياه نهر النيل، التي ترتبط باتفاقيات دولية وبعلاقات متشابكة مع دول المنبع والمصب. وجود وزارة مستقلة للري يعزز قدرة الدولة على التفاوض الفني والسياسي في القضايا المائية، وخاصة في ظل مشاريع كبرى مثل سد النهضة الإثيوبي. دمج الوزارة سيؤدي إلى تشتت الجهود وضعف التركيز على هذا الملف الحيوي، ما قد ينعكس سلبًا على مصالح السودان الإقليمية.
ثانيًا: تدهور البنية التحتية المائية
السودان يمتلك شبكة من القنوات والسدود (مثل سد الروصيرص، وخزان جبل أولياء، وسد مروي)، وهي تحتاج إلى صيانة مستمرة وإدارة دقيقة من مختصين في مجال الموارد المائية. دمج الوزارة مع وزارة الزراعة أو الكهرباء قد يُفقد هذه المنشآت الإشراف الهندسي والتقني المتخصص، مما يهدد بكوارث بيئية مثل الفيضانات أو انهيار السدود، كما حدث في بعض مناطق البلاد سابقًا.
ثالثًا: تضارب الأولويات بين الوزارات
وزارة الزراعة تهدف إلى زيادة الإنتاج الزراعي، وغالبًا ما تطالب باستخدام أكبر قدر ممكن من المياه لري المشاريع الزراعية، بينما وزارة الكهرباء تهتم باستخدام المياه في توليد الطاقة. في المقابل، وزارة الري تعمل على التوازن بين الاستخدامات المختلفة والحفاظ على المياه. دمج هذه الجهات قد يؤدي إلى تعارض المصالح وتغليب استخدام على حساب الآخر، ما يضر بالمصلحة القومية على المدى البعيد.
رابعًا: فقدان الكفاءات والتخصصات الفنية
وزارة الري في السودان تزخر بالخبرات الهندسية والفنية المتخصصة في إدارة الموارد المائية، والهيدرولوجيا، والتصميم والصيانة المائية. دمجها قد يؤدي إلى تشتت هذه الكفاءات، أو إحالتها للتقاعد أو الإقصاء الإداري، وهو ما سيؤدي إلى فراغ معرفي وتدهور في الأداء المؤسسي.
خامسًا: التأثير على مشاريع الري القومي والتنمية الزراعية
مشاريع الري الكبرى مثل مشروع الجزيرة ومشاريع طوكر والقاش تعتمد بشكل كلي على الإدارة المائية الدقيقة. أي خلل في التخطيط أو التنفيذ نتيجة نقص في الإشراف الفني سيؤدي إلى تقليص المساحات المزروعة، وتدهور الإنتاج، وزيادة الهجرة من الريف إلى المدن، ما يفاقم من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
سادسًا: ضعف التعامل مع التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية
السودان من أكثر الدول عرضة للفيضانات والجفاف نتيجة التغير المناخي. وجود وزارة مستقلة للري يسهل التخطيط لمجابهة هذه الكوارث، عبر بناء السدود، وحفر الخزانات، وتوجيه السيول. دمج الوزارة سيضعف من الاستجابة السريعة والتنسيق الفعال في حالات الطوارئ.
خاتمة:
إن التفكير في دمج وزارة الري والموارد المائية مع وزارات أخرى في السودان قد يُفسر كرغبة في تقليص النفقات أو ترشيد الهياكل الحكومية، لكنه يمثل تهديدًا خطيرًا على الأمن المائي والغذائي والاقتصادي للبلاد. السودان بحاجة ماسة إلى وزارة قوية ومتخصصة، قادرة على إدارة موارده المائية النادرة بكفاءة، والدفاع عن حقوقه الإقليمية، وحماية أراضيه وسكانه من آثار التغير المناخي والكوارث المائية. الحفاظ على كيان وزارة الري ليس رفاهية إدارية، بل ضرورة وطنية لا غنى عنها.


