مقالات

أين اللوبي الإثيوبي الذى روج للمنافع المتوهمة للسودان من سد النهضة؟

خالد هاشم خلف الله:
Kld.hashim@gmail.com

ليست هي المرة الأولى التى تتعمد فيها إثيوبيا إغراق المدن والقرى السودانية على ضفاف النيل الازرق والنيل الرئيسى شمال الخرطوم ، فعلت ذلك فى نفس التوقيت الحالى فى نهاية سبتمبر ٢٠٢٠ حين أغرق فيضان مفاجئ العديد من القرى والمشاريع الزراعية فى ولايات النيل الأزرق وسنار والجزيرة وطال الغرق منطقة الجديد الثورة جنوب الخرطوم واغرق بالكامل منطقة ود رملى شمال الخرطوم بحرى واجبر جميع أهالى المنطقة على الخروج من منازلهم والعيش فى مخيم بعيدا عن النيل قرب طريق الخرطوم عطبرة ، وقد وثقت وفريق من المصورين تلك الكارثة عبر فيلم وثائقي انتجناه لبرنامج للقصة بقية على قناة الجزيرة وفيلم اخر لبرنامج عين المكان للتلفزيون العربى ، ويمكن مشاهدة الفليمين على الرابطين المرفقين أدناه.


وقد طفنا فى منطقة ود رملى على مركب على مدى أكثر من سبع ساعات ونصور كل ذلك الغرق وقد بلغ ارتفاع المياه حدا لا يمكن تصوره بحيث غمرت اسوار المنازل وحوائطها الخارجية التى يتجاوز ارتفاع بعضها المترين و اكثر و التى كنا نشاهد سقوطها بشكل متتالى ونحن على متن المركب حتى خشينا على أنفسنا من أن ينقلب بنا المركب من ارتفاع المياه واستمرار تدفقها، وحين انتقلنا للتصوير فى اليوم التالى إلى منطقة الجديد الثورة جنوب الخرطوم ، أشار لنا احد كبار السن إلى ملاحظة هامة بقوله أن هذا ليس فيضان طبيعى نتاج الأمطار وأنما هو فيضان مقصود فالفيضان الطبيعى حسب قوله تكون مياهه محملة بالطمى وعكرة ،وانما مياه هذا الفيضان الذى داهم بيوتهم على حين غرة فقد كانت صافية مما يشير إلى انها مياه كانت مخزنة ومحتبسة وترسب الطمى العالق بها فى محبسها وهو هنا السد الاثيوبى.
واليوم وبعد خمس سنوات من كارثة الفيضان المصنوع يتكرر الأمر واصبح بلدنا السودان وكامل وأدى النيل فيه والذى يضم اغلب المدن والقرى والمشاريع الزراعية ويعيش على ضفافه اغلب السكان السودانيون أصبحوا تحت رحمة اثيوبيا التى ترفض حتى توقيع اتفاق فنى يتيح تبادل معلومات فنية مع وزارة الرى السودانية بمقادير المياه التى ستقوم بتصريفها من سد النهضة حتى يمكن تشغيل السدود السودانية وعلى رأسها سد الروصيرص الذى لا يبعد سوى مسافة عشرات الكليومترات عن موقع السد الاثيوبى.
للأسف أن بلادنا وقعت اجيالها ليست الحالية فقط وانما الاجيال المقبلة ضحية تهاون وتفريط مريع فى ملف سد النهضة بداية من الموافقة المتعجلة للرئيس السابق البشير على السد الاثيوبى وهى موافقة مجانية وجاءت من منطلق سياسى حين أعلن البشير تأييده لسد النهضة فى مناسبة تدشين الربط الكهربائى بين السودان واثيوبيا فى ولاية القضارف فى ديسمبر ٢٠١٣ وهى موافقة تمت من منطلق سياسى بحت غضبا على اطاحة الجيش المصرى بالرئيس المصرى محمد مرسى المنتمى لجماعة الاخوان المسلمين وهو موقف بحسب ما ذكره لى أحد الزملاء الصحفيين القريبين من دوائر سلطة البشير وقتها تم بتحريض من أسامة عبد الله الذى تولى وزارة الرى خلفا للوزير كمال على الذى كان موقفه المستند على حقائق فنية تخصيصية محضة هو الرفض التام والمطلق لمشروع سد النهضة الاثيوبى باعتباره مهددا خطيرا للسودان وأمنه المائى وسلامة أراضيه ومخالفا لما تم الاتفاق عليه بين دول حوض النيل الشرقى الثلاث السودان ومصر واثيوبيا من الموافقة لاثيوببا بتشديد خمس سدود على النيل الأزرق ورافدوه لتوليد الطاقة الكهربائية وسعة اكبر تلك السدود الخمسة لتخزين المياه لا تتجاوز ١٨ مليار متر مكعب وهو اتفاق توصلت إليه الدول الثلاث فى عام ٢٠٠٩ ، فانظر كيف غلب البشير مصلحة جماعته السياسية للتعبير عن غضبه بالاطاحة بالرئيس الاخوانى محمد مرسى عن سدة الحكم فى مصر على حساب كامل أجيال السودانيين الحالية والمقبلة.
وبموازاة موافقة البشير كان هناك لوبى سودانى أخر غير رسمى يدافع بشراسة عن مشروع السد الاثيوبى يقوده خبير قانونى فى قضايا المياه دبج عشرات المقالات بل والف الكتب فى بيان الفوائد المرتجاة التى سيجنبها السودان من سد النهضة الاثيوبى وهى فوائد كانت عبارة عن وعود يطلقها أعضاء الوفد الاثيوبى المفاوض فى محادثات سد النهضة ويرددها اللوبى السودانى المساند لهم ، وحين يطلب من الجاتب الاثيوبى توقيع اتفاقات قانونية رسمية تضمن حصد تلك الفوائد يتهرب الجانب الاثيوبى ويتذرع بالسيادة الإثيوبية وحقها فى مياه النيل وكأن حوض النيل كله ملكها من بحيرة تانا إلى مصب النيل فى رشيد ودمياط على ساحل البحر المتوسط فى مصر.
ان الموقف السودانى من مشروع سد النهضة الاثيوبى من ناحية حكومة البشير كان مستندا على اعتبارات سياسية كما ذكرنا ومن ناحية بعض المتخصصين القانونيين والفنيين كان من منطلق مولاة لاثيوبيا بدوافع غير مفهومة بجانب بغض وكراهية لمصر حتى لو نال السودان نصيب اكبر من الاذى أكبر مما ستناله مصر نفسها مع تجاهل هولاء لحقائق موضوعية تجعل الاذى الذى سيقع على مصر من سد النهضة اقل بكثير من الذى سيلحق بالسودان ، فمصر دولة مصب ويفصلها السودان بطوله عن موقع السد النهضة ولديها السد العالى ومفيض توشكى الذى يمكنها من استيعاب اى كميات وتدفقات غير اعتيادية لمياه النيل قد تتجاوز قدرة بحيرة السد العالى على مقابلتها. خلاصة القول ان مصير السودان ومصير مدنه وقراه ومشاريعه الزراعية على امتداد وأدى النيل فى أرضه فى الوسط والشمال اصبح بيد صانع القرار فى أديس أبابا الذى جعل سد النهضة بمثابة حنيفة مياه له القدرة فى التحكم في مقدار ما تصرفه من مياه أو تمتنع بالمطلق عن تصريف اى قطرة من مياه النيل الأزرق أو تغرق مدن السودان بالفيضانات متى ما عن وراق له ذلك ، وهو ما حدث قبل خمس سنوات وتكرر اليوم وهكذا سيكون الحال مع اثيوبيا أن لم يتم الزامها باتفاقيات قانونية رسمية بالمشاركة فى تشغيل السد واتاحة معلومات تشغيله للسودان ومصر.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى