مقالات

مأساة الفيضانات.. الفرصة الإستراتيجية

من حروفي

خالد الفكي سليمان:

khalidfaki77@gmail.com

يشهد نهر النيل في الأيام الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في مناسيبه، تجاوز المعدلات الطبيعية، ما أدى إلى اجتياح المياه لمناطق هشّة على طول الشريط النيلي، خصوصاً في ولاية الخرطوم. هذا الارتفاع تسبب في انهيارات وثغرات بالسدود الترابية والتروس الواقية، مخلّفاً أضراراً بالغة في منازل المواطنين، وزارعاً الخوف من انهيارات إضافية قد تُضاعف من حجم الكارثة الإنسانية.

الجهات الحكومية سارعت إلى احتواء الموقف عبر تعزيز التروس الترابية وتقوية خطوط الحماية في المناطق المهددة شمالي وجنوبي الخرطوم، غير أن التحدي يظل كبيراً، إذ إن اندفاع المياه بقوة غير مسبوقة يجعل مهمة الصيانة والمعالجات الطارئة عملاً مستمراً يحتاج إلى موارد بشرية ومادية متزايدة. وفي هذا السياق، تلعب المنظمات التطوعية والأهلية دوراً محورياً في إسناد الجهود الرسمية من خلال الإغاثة الفورية للمتضررين، وإمدادهم بالمساعدات الغذائية والمواد الإيوائية.

التوقف عند حدود الكارثة ورد الفعل السريع لا يكفي، فالتجربة تفرض على الدولة أن تتعامل مع الفيضانات باعتبارها ظاهرة متكررة يمكن تحويل مساراتها من تهديد إلى فرصة. إن غياب خطط استراتيجية للاستفادة من كميات المياه الهائلة التي يجلبها الفيضان يُفقد السودان موارد طبيعية كان يمكن أن تُستثمر في مشروعات زراعية وصناعية ضخمة. تحويل هذه المياه من خطر يهدد العمران إلى رافعة للتنمية يقتضي دراسات علمية دقيقة، وتخطيطاً متكاملاً بين وزارات الزراعة والموارد المائية والصناعة، فضلاً عن إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني.

إن البعد الاستراتيجي للتعامل مع الفيضانات يتجاوز فكرة الإغاثة الطارئة إلى بناء بنية تحتية قادرة على الاستيعاب، والتخطيط لمشروعات مستقبلية تضمن الأمن الغذائي وتفتح فرص عمل جديدة، فكما أن الفيضان يحمل معه الألم والخسائر، يمكن أن يحمل أيضاً الأمل إذا ما أحسنا إدارته برؤية بعيدة المدى، لنحوّل المحنة إلى منحة، والتهديد إلى مورد للتنمية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى