
الباقر عكاشة عثمان:
في خضم السجال السياسي السوداني المتصاعد تتكرر على الألسنة عبارة “الانقلاب” و”الانقلابيين”، كأنها حقيقة لا تقبل الجدل لكن وسط هذا التكرار الممنهج يغيب سؤال جوهري بسيط في ظاهره عميق في دلالاته من هم أولئك الذين تمّ الانقلاب عليهم في 25 أكتوبر؟.
ولماذا يفترض أن نذرف عليهم دموعا وطنية ونتعامل معهم كضحايا أبرياء لا كشركاء أصيلين في مشهد معقد فشل في تحقيق تطلعات السودانيين؟
أليس هؤلاء هم أنفسهم من دخلوا السلطة بلا تفويض شعبي وعبر شراكة نسجت باسم الثورة ثم تحولت سريعا إلى محاصصة حزبية ضيقة واصبحوا جزءا من الحكم في مجلسي السيادة والوزراء وتولوا ملفات حيوية في الاقتصاد والأمن والعلاقات الخارجية؟
ألم تعدل الوثيقة الدستورية التي وقعت امام الجماهير ورئيس الاتحاد الافريقي والرئيس الاثيوبي لتُفضي إلى حكم مدني مستقل عدلت لاحقا لإقصاء المستقلين وتمكين أحزاب بعينها تحت ضغط دولي وشبابي مغيب؟
فهل كان ذلك تصحيحا ديمقراطيا أم تحايلا باسم الثورة؟
اللافت أن هؤلاء الذين تمّ إخراجهم من المشهد في أكتوبر لم يكونوا وحدهم في السلطة كان إلى جانبهم شركاء اتفاقية السلام وممثلون عن القوات المسلحة فلماذا يصور تعديل الوثيقة لاحقا بعد استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على أنه انقلاب؟
وإذا كانت شرعية الوثيقة الأولى المعدلة قائمة على توافق سياسي فلماذا يُعد التوافق اللاحق غير شرعي؟
أين هي “الحرية والتغيير” اليوم؟ وأين شعبيتها؟
وإذا جرت انتخابات حرة غدا فهل يملك قادتها قاعدة جماهيرية تؤهلهم للعودة؟
هل يستطيعون مخاطبة الشارع وزيارة الأقاليم المنكوبة والتجوال بين الناس دون حراسة؟
أم أن حضورهم بات يقتصر على منصات الإعلام الدولي ومنتديات النخبة، ومظلات الحماية الأجنبية؟
ومن هنا اتساءل بعد مناداتهم بالتوافق كما جاء على لسان محمد الفكي هل ما زلتم ترفعون شعار “لا لإغراق الحكومة ام تفهمتم الان الدرس بعد اغراق البلاد في مستتقع الآهات بواسطة الذراع العسكري؟
وهل تخليتم عن سياسات الإقصاء التي مارستموها طيلة الفترة الانتقالية أم أنكم الان فقط استبدلتم اليافطة واحتفظتم بالمضمون؟
حقيقة توافق الجميع بتكوين لجنة إزالة التمكين لعمل خلخلة في مفاصل الدولة من قبضة الوطني بشعار “الثورة” ولكنها ما لبثت أن وقعت في فخ التسييس والانتقائية فصدر بحقها طعون قانونية عديدة وكشفت المحاكم عن هشاشة كثير من قراراتها التي اتسمت بروح الانتقام لا العدالة.
فلماذا يُراد لنا أن نتحسر اليوم على أسماء ثبت أنها تجاوزت صلاحياتها واتصلت بجهات خارجية دون تفويض وانخرطت في أجندات دولية تُسوق بواجهات براقة: “المدنية”، والانتقال
الديمقراطي أين كانت مواقفهم الوطنية حين احترقت دارفور وسقط الضحايا في الخرطوم
وانهارت مؤسسات الدولة في كردفان والنيل الأزرق والجزيرة؟
لماذا صمتوا عن تدخلات خارجية سافرة وعلى رأسها دعم دولة الإمارات لمليشيا الدعم السريع؟ الم يعد ذلك انتهاكا للسيادة؟
أم أن الصمت كان خيارا محسوبا في إطار تحالفات ما وراء الحدود؟
في لحظة الحرب لا يمكن الوقوف في منطقة رمادية إما أن تكون في صفّ الوطن أو في صفّ الأجندات الخارجية
هنا اكرر للذين اختاروا الاصطفاف خلف المشاريع الخارجية والتعامل مع السيادة كسلعة قابلة للمساومة لايحق يحق لهم الحديث باسم الثورة ولا باسم الشعب.
السودانيون اليوم يعيشون الألم
يتنفسون الرماد ويواجهون الفوضى من حقهم أن يسألوا ويحاسبوا
ومن واجبنا ألا نُسلِّم عقولنا للشعارات العاطفية فالتاريخ لا يُكتب بالهتاف بل بالحقيقة ومن خذل الوطن في لحظة مفصلية لا ينبغي أن يمنح صكّ الغفران مجددا دون مساءلة
ولا عزاء في الذاكرة .