مقالات

حول المقال الذي كتبه الصديق العزيز د.صديق الزيلعي بعنوان: قضية الحزب الشيوعي: تناقضات لم تُذكر

برير إسماعيل:

في البدء نزجي خالص التحايا للعزيز د. صديق الزيلعي الشخصية السودانية المُحبة لوطنها و لكل مكوِّناته و المهمومة بالقضايا السودانية التاريخية المُرحًّلة و المستجدة و المشغولة دوماً بوحدة القوى السياسية و المدنيَّة و الإجتماعية لتجاوز العقبات و المآزق التي يواجهها معظم أهل السودان منذ عشرات السنين.

للدخول في جوهر الموضوع نقول إنَّ المقال الذي كتبه العزيز د. صديقي الزيلعي جاء بناءً على رغبة بعض الذين يتباعون المساهمات الوطنية العديدة للزيلعي و هم في الغالب الأعم يُمثِّلون حمادكة الثورة السودانية المجيدة الذين دخلوا عليها بالساحق و الماحق و البلاءات المتلاحقة وصولاً للحرب الجنجاكيزانية الحالية ذات البعدين الإقليمي والدولي التي دفع الغالبية العظمى من المكوِّنات السودانية ثمنها. و في تقديري أن رغبة حمادكة الثورة السودانية المجيدة في أن يكتب د.الزيلعي مقالاً عن الخطوة الخدمية التي أقدمت عليها فرعية الحزب الشيوعي السوداني في عطبرة خصمت الكثير من المقال و حوُّلته إلى مقال مُلبي لرغبات الحمادكة السياسية لأنهم ببساطة شديدة تضرروا سياسياً من تعرية الحزب الشيوعي السوداني المتواصلة لمواقفهم السياسية التي لم تكن في مصلحة الحراك الثوري الجماهيري السوداني.

في رأيي أن المقال الذي كتبه عزيزي د. صديق الزيلعي لا علاقة له بالصورة الكلية للأزمة السودانية كما ذكر د.الزيلعي ذلك و لكن كانت له علاقة مباشرة برفض الحزب الشيوعي السوداني لأنصاف الحلول السياسية و الترقيعية و التلتيقية التي أقدم عليها الحمادكة و الذين معهم بعد 11 أبريل 2019م تحت ذريعة حقناً للدماء السودانية التي لم يتوقف سيلها منذ عشرات السنين بسبب إتباع ذات المنهج السياسي السوداني العقيم المفضي في خلاصاته إلى إستخدام المسكنات السياسية عند مخاطبة معاناة الغالبية من أهل السودان بدلاً من إيجاد الحلول الجذرية لها.

على ذكر إتباع منهج أنصاف و ملايقة الحلول للأزمات السودانية فقد أخبرتنا الأحداث التاريخية بأن المؤسسين لما تُسمى مجازاً بالدولة الوطنية إتبعوا ذات المُسكنات السياسية لحلحلة أمهات القضايا السودانية و لهذا السبب و لغيره من الأسباب ظلت الشعوب السودانية التوُّاقة للحرية و السلام والعدالة تبحث عن المجد وهي تسعى في شكل دائري إنطلاقاً من دوُّر بينا البلد دا أحرق الجازولين يا الوابور جاز وهذا بالضبط هو المنهج السياسي المعوج الذي رفضه الشيوعيون السودانيون و رفضته معهم كذلك معظم مكوِّنات الحراك الثوري الجماهيري السوداني.

من المفارقات العجيبة أن التأسيسيين الجدد بقيادة عيال دقلو إتبعوا ذات المنهج السياسي السوداني القديم الموغل في إستخدام المسكنات و الوصاية على أهل السودان و المدهش في الأمر هو أن التأسيسيين الجدد في إنتظار نتائج سياسية مختلفة عن النتائج التي أحرزها التأسيسيون الأوائل.

في المقال الذي كتبه عزيزي د. صديق الزيلعي هناك تعميماً مخلاً عندما وصف د.الزيلعي الشيوعيين بأنهم يعادون الذين يختلفون معهم في الآراء و لكن من واقع يوميات الحراك الثوري الجماهيري السوداني يتضح جليَّاً بأن حوارات و ردود الشيوعيين على خصومهم السياسين في وسائل التواصل الإجتماعية متباينة و بمعنى آخر لم تكن مسطرية و كأنما عضوية الحزب بمثابة الدراويش الذين لاقوا المُداح في ميدان المولد النبوي ليرددوا نفس المديح للمارة من الناس وللذين توقفوا ليستمعوا إليهم.

نتفق تماماً مع عزيزي د. الزيلعي و بكل تأكيد يجب على جميع مكوِّنات قوى الثورة السودانية المجيدة أفراد أو مؤسسات رفض الشتائم من الناحية المبدئية و لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحمَّل الحزب الشيوعي أو غيره من الأحزاب أو المؤسسات المدنيَّة مسؤولية الشتائم التي يقدم عليها الأفراد و لسبب بسيط جداً يتمثَّل في وجود جهات إعتبارية في هذه المؤسسات السياسية و المدنيَّة هي المسؤولة عن خطاب الحزب أو المؤسسة المدنيَّة و لذلك يتم تذييل الخطابات إو البيانات السياسية بصفاتها الإعتبارية و لو خرج عضو حزب ما عن النص في الحوارات مع الآخرين فهناك تدابير إدارية تقوم بها الأحزاب تجاه عضويتها.

ذكر العزيز د. صديق الزيلعي أن خطاب الكراهية يهدد وحدة السودان و لكن المنطق يقول إنَّ وحدة البلاد لم يهددها خطاب الكراهية فقط و إنما هددها الخط السياسي المتخاذل الذي ساهم في أن أعاد الكيزان وجنجويدهم بقيادة عيال دقلو إنتاج خطابهم السياسي العنصري الذي قسَّموا به البلاد إلى شمال مسلم و جنوب مسيحي في حرب الإبادة الجماعية الأولى و من ثم شنِّوا حرب الإبادة الجماعية الثانية في دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق.

تحدث العزيز د. صديق الزيلعي في مقاله عن المواقف السياسية المتشددة التي ينتهجها الحزب الشيوعي السوداني في تعامله مع المشهد السوداني و لكن الواقع يقول إنَّ المواقف السياسية المتشددة التي وقفها الحزب الشيوعي كانت ذات صلة مباشرة بالقضايا التي ثارت من أجلها الحركة الجماهيرية السودانية و لذلك كان يجب على عزيزي د. الزيلعي الإشادة بهذه المواقف بدلاً من إعتبارها نواقص سياسية.

تناول عزيزي د. صديق الزيلعي تواصل فرعية الحزب الشيوعي في عطبرة مع الإتحاد الأوروبي للحصول على دعم دون أن يحدد للناس نوعية هذا الدعم : أهو دعم مالي؟ أم فني؟ أم ماذا؟ و هنا فات على عزيزي د. الزيلعي بأن الإتحاد الأوروبي لا يدعم الأحزاب السياسية غير الأوروبية بصورة مباشرة و إنما يدعمها من خلال المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة و الجدير بالذكر أن نوعية الدعم نفسها لها علاقة مباشرة بترسيخ القيم الديمقراطية في الغالب الأعم وبحساب السوق السياسي البسيط كيف لفرعية الحزب الشيوعي في عطبرة أو لفرعية أي حزب آخر أن تتواصل مع الإتحاد الأوروبي مباشرة بمعزل عن معرفة قيادة الحزب للحصول على أي من أنواع من الدعم؟.

هناك فروقات نوعية بين تواصل حزب سياسي أو جمعية خيرية أو منظمة مجتمع مدني مع الإتحاد الأوروبي للحصول على الدعم الفني و بين إعتماد الحكومة التي جاءت بها الثورة السودانية المجيدة برئاسة د. حمدوك على المعونات والإعانات الدولية تاركة أكثر من 80% من الإمكانيات الإقتصادية للبلاد في أيادي اللجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية القومية و في أيادي مليشيتها الجنجويدية بقيادة عيال دقلو حتى أصبح الخطاب السياسي للحكومة التي جاءت بإسم الثورة معزولاً عن مكوِّنات الحركة الجماهيرية التي ثارت ضد الكيزان وجنجويدهم و طحالبهم السياسية و أرزقيتهم المعروفين القدامى و الجدد و هذه ليست شتائم و إنما تعبير عن الواقع السياسي السوداني بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية الكارثية و على إتفاقيات السلام في جوبا.

أعتقد أن عزيزي د. صديق الزيلعي قد أقحم شعار: لن يحكمنا البنك الدولي إقحاماً في هذا المقال و لم تكن هناك مساحة سم مربع لإقحامه و لسبب في غاية البساطة هو أن موقف الشيوعيين السودانيين الحالي من البنك الدولي ليس هو نفس الموقف السياسي في ستينيات و سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي و كل الذي إليه الشيوعيون السودانيون هو عدم رهن القرارات السياسية و السيادية و الإقتصادية للمؤسسات الدولية.

نقول للعزيز د. صديق الزيلعي إنَّ العون من المنظمات الدولية مطلوب بشدة و لكن لا يمكن ألا يتحول دعم المنظمات الدولية لخط سياسي للحكومة التي جاءت بعد الثورة و هذا هو بالضبط ما رفضه الشيوعيون السودانيون و رفضه غيرهم من مكوِّنات الحراك الجماهيري و بمعنى آخر لم يرفض الحزب الشيوعي التعامل مع المجتمع الدولي و لكنه دعا القوى السياسية السودانية إلى المشاركة في وجود خط سياسي وطني مُلبياً لتطلعات الشارع السوداني الثائر.

نقول للعزيز د. صديق الزيلعي صحيح أن الحركة الجماهيرية السودانية وجدت صعوبات بالغة التعقيد في حراكها بسبب ظروف الحرب و لكن هل يجب على القوى السياسية و المدنيَّة و الإجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير الجذري أن تبتكر طرائق و آليات عمل جديدة لتجاوز هذه الصعوبات أم الأفضل لها أن تعمل على تكييف أوضاعها السياسية لكي تناسب الحلول السياسية التي يقدمها إليها المجتمع الدولي؟.

نقول لعزيزي د. الزيلعي لم يشن الحزب الشيوعي السوداني هجوماً ضارباً على كل الذين يمارسون العمل السياسي في الخارج و الدليل على عدم وقوع هذا الهجوم هو أن معظم فروع الحزب الشيوعي في الخارج مشاركة في الحراك الثوري الجماهيري السوداني وهي جزء أصيل منه و لكن الحزب الشيوعي رفض إعتماد الخط السياسي الذي يطرحه المجتمع الدولي لحلحلة القضايا السودانية المُرحًّلة منذ تاريخ تأسيس ( الدولة الوطنية) و معلوم أن العديد من مكوِّنات المجتمع الدولي تريد تغييراً سياسياً متحكماً فيه من قِبل العناصر السودانية التي تراعي مصالح الهمباتة و قطاع الطرق أصحاب الكرفتات السادة و المزركشة في المجتمع الدولي و هؤلاء أخطر على حاضر و مستقبل الشعوب الثائرة في العالم من الجنجويد بقيادة عيال دقلو.

نقول للعزيز د. صديق الزيلعي إنَّ الحزب الشيوعي السوداني لم يكن منعزلاً سياسياً أو جماهيرياً و على ذكر العزلة السياسية فإن الذين أشاد بهم عزيزي د. صديق الزيلعي بصورة أو بأخرى في مقاله هم المنعزلين سياسياً و جماهيرياً والدليل على ذلك هو إقامتهم للندوات الدكاكينية في الخارج وفي البلدان التي ينعم أهلها بالقيم الديمقراطية.

نقول للعزيز د. الزيلعي إنَّ الحزب الشيوعي السوداني لم يرفض بناء جبهة واسعة في الخارج و لكنه دعا كل مكوِّنات القوى السياسية و المدنيَّة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير الجذري إلى تبني الخطاب السياسي الذي يُلبي تطلعات و آمال و طموحات الحركة الجماهيرية السودانية الثائرة.

زبدة القول في رأيي لا يوجد أي تناقض ما بين دعوة الحزب الشيوعي السوداني لحكومة الثورة السودانية برئاسة د.حمدوك بأن تعتمد على الإمكانيات الذاتية و بين طلب فرعية الحزب الشيوعي بعطبرة للدعم الفني من الإتحاد الأوروبي إن صحت الرواية لأن الواقع يقول إنَّ د. حمدوك كان قد ترك كل مقدرات البلاد الإقتصادية في أيادي الكيزان وجنجويدهم الطفيليين و كما أنه و حاضنته السياسية التي أجادت تُغيَّر الأسماء بداية من قحت و مروراً بتقدُّم و وصولاً إلى صمود مع الإبقاء على ذات طرائق التفكير السياسية التي عزلتها عن مكوِّنات الحركة الجماهيرية السودانية الثائرة للدرجة التي أصبحت فيها إقامة ندوة جماهيرية لصمود في خارج السودان و في البلدان التي تنعم بالحريات تشبه في كثير من الوجوه تعاطي المساطيل السودانيين لسيجارة البنقو في الخفاء في ثمانينيات القرن الماضي.

في الختام نقول إنَّ الثورة السودانية المجيدة مستمرة والنصر أكيد… و نقول إنَّ الجنجا جنا الكيزان و كلاهما وجهان لعملة إجرامية واحدة و إنَّ كل مكوِّنات حركة الأخوان المجرمين وجنجويدها تنظيمات إرهابية و لهزيمة المشروع الجنجاكيزاني يجب على كل مكوِّنات قوى الثورة السودانية المجيدة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير الجذري أن تتوحد اليوم قبل بكرة و بناءً على الأهداف التي إندلعت من أجلها الثورة و نكرر القول إنًَ الرباعية المكونة من الولايات المتحدةالأمريكية و مصر و السعودية و الأمارات العربية المتحدة شريك أصيل في الحرب الجارية الآن في السودان ولذلك فإن كل المتحزِّمين بالرباعية عرايا و يجب عليهم أن يعولوا على الشعوب السودانية صاحبة الكلمة الأولى و الأخيرة و إن كان لابد وجود الرباعيات و الخماسيات و السداسيات فيجب عليها أن تساعد أهل السودان على تنفيذ البرنامج السياسي الذي تنجزه الإرادة السودانية*.

*برير إسماعيل*

*14 أغسطس 2025م*.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى