منوعات وفنون

بقايا الحوش القديم ومدرسة جاكسون باشا في مروي

فيضان السودان

بقلم/ المهيرية:

عندما كنت صغيرة كانت جدتي تحكى لنا حكاوي عن البحر كما يحلو لهم تسمية النهر بالبحر وهو حقيقة، كانت تذهب بنا إلى موقع الحوش القديم الذي لم يتبقى منه إلا نصف حوائط من الطين وتمت زراعته بأشجار النخيل.

كانت تحكي كيف أن النيل ارتفع فجأة وهدم كل البيوت وملأ (الساقية) كما تقول،  ومن ثم (طلعنا فوق)، طلعنا فوق تعني لي الكثير من الرهق كان على تلك البقعة وكأن خلية نحل تعمل جيئة وذهابا لينقلوا العفش أو العناقريب من ضفة النيل إلى الطرف الآخر من جانب الصحراء.
لم أشهد فيضان ٤٦ ولا حتى مارد ٦٤ ولا ٨٤ إلا القليل بذاكرة الطفولة الأولى، فيضان  ٨٨  كان كارثة ربما عايشنا جزءا من أثرها.
هذه الكارثة المتكررة الحدوث ترهق العقل كل العالم به فيضانات ولكنهم يتحكمون أو علي الأقل لديهم معدات لمجابهة الكارثة صنعوها وهم يقاومون، بنوا أعظم الكورنيشات المرتفعة على الضفاف والسواحل وبنوا أعظم السدود لتخزين المياه وانشأوا مؤسسات تعمل فقط لإنقاذ الناس كاملة فيما يسمى بالدفاع المدني، كسروا الحجر وبنوا أضخم حواجز أسمنتية يحملها العشرات من الرجال لوضع واحدة منها، ما الذي يشغلنا ليغلبنا مارد النيل كما اسميته أنا؟
ماذا بعقولنا عبر مئات السنين ؟
هل نحن حقا ننظر إلى الطبيعة المحلية ونحاول معالجتها؟.

 

كانت من أكثر وأجمل المباني كما اتخيلها كما حكت جدتي، وأمي من بعدها هي مدرسة جاكسون باشا كما يحلو لأهالي ولم أصدق الحكاوي حتى رأيت بعض الصور لها أضخم آرشات وفصول كما تبدو بتلك الصورة بالأبيض والأسود
المدرسة بها سكن للطلاب والطالبات وحسب الحكاوي كانوا يدرسون فعلا لأن الكتب التي وجدتها كأثر بمنزلنا توحي بذلك.

اخذتني أمي إلى ذلك المكان يوما ما، وقالت هنا كانت مدرسة جاكسون.
كانت الحبيبة الطينية تقبع ناعمة ولم يكن هناك أثر لمبني فقط عمودين دائريين وفيما بعد اختفت أيضا ربما الفيضان التالي، درست بنات المنطقة وامي أيضا بتلك المدرسة …
كان هناك شئ يعمل يوميا لتغييب الناس عن أرضهم أو بيئتهم،  الناس مشغولون مشغولون و ….يأتي الفيضان ليأخذ كل شئ.
بالعام ٨٨ صحونا على الصراخ والبكاء تهدم البيت على أسرة كاملة ومات الأطفال وآخرين فاقوا من النوم والماء تحت أرجلهم، وتزلجت الأم وماتت وغرقت النخلات وانتهى المحصول وكثرت الحشرات ووووووو …..
أي مقاومة لهذا المارد لا تكرره ويظل كما الخلود دائما؟
يجب أن نفكر ونعمل يوميا ولو كسرنا الجبال ونقلنا الحجر بخط جديد للسكة الحديد.
نحن شعب لن يغلبه العيش ببيئته بسلام
نحن السلام بقلوبنا ونحن ترهاقا وكوش
هذه خاطرة ربما تضئ بعض من عتمة الطريق.
دمتم..
المهيرية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى