خطاب الأمين العام وجدل الاتحادات الانتقالية

د.عبدالكريم الشريف الهاشمي:
ظلت الاتحادات الانتقالية تشارك في الدوري العام المؤهل للممتاز وكأس السودان بصورة متواصلة منذ العام 2016م بعد ثلاث سنوات من إنشائها في العام 2013م واستمرت هذه المشاركة حتى الموسم 2022 -2023م المنصرم، مما يؤكد أن وجود هذه الاتحادات ليس طارئا أو استثنائيّا، بل هو ثمرة ممارسة فعلية متواصلة ومستمرة تؤسس لحق مكتسب بالتقادم, واعتراف ضمني من قبل الاتحاد السوداني بمشاركة هذه الاتحادات الانتقالية في الدوريات التي ينظمها الاتحاد العام. إن فلسفة مشاركة الاتحادات الانتقالة في المنافسات القومية والتي إجترحها مجلس إدارة الاتحاد في إجتماعه رقم (13) بتاريخ 10/1/ 2016 حيث برر المجلس في خطابه الموجه للاتحادات الانتقالية ان فلسفة المشاركة اتاحة الفرصة لتجربة عملية وواقعية تستفيد منها الاتحادات الانتقالية في مرحلة ما قبل الانتقال لاتحادات محلية كما أنها فلسفة قائمة على توسيع القاعدة الرياضية واتاحة فرص اكبر للاندية المشاركة في المنافسات القومية وتطوير مستويات اللاعبين ورفد المنتخبات القومية بالمواهب مما يدعم ويطور كرة القدم في السودان عامة.
في الوقت الذي تتنتظر فيه مجالس إدارات الاتحادات الانتقالية وأنديتها وجماهيرها قرارا من مجلس الاتحاد باعتمادها كاتحادات محلية, أطل على الساحة الرياضية خطابا ممهورا بتوقيع السيد الأمين العام للاتحاد العام الاستاذ مجدي شمس الدين صادر بتاريخ 23 فبراير 2025م حيث أحدث هذا الخطاب إضطرابا واسعا في الساحة الرياضية, سيما على مستوى الاتحادات الانتقالية. إن الموضوع الرئيس لخطاب الأمين العام هو حث الاتحادات على “تعديل النظم الاساسية” لها لتتماشى مع النظام إلاساسي للاتحاد العام إلا أن السيد الأمين أقحم بصورة مربكة وغير مبررة ملحوظة في زيل الخطاب وجه من خلالها بتبعية الاتحادات الانتقالية والفرعية للاتحادات المحلية داخل النطاق الجغرافي كمناطق فرعية وذلك إلى حين تعديل النظم الأساسية. تسبب التوجيه بتبعية الاتحادات الانتقالية للاتحادات المحلية والذي ينقصه الوضوح والحكمة في أضرار كارثية للاتحادات الانتقالية وفتح بابا من التساؤلات حول دواعي ومسببات هذا التوجيه كما برزت إشكالات جدلية وقانونية في تفسيره ومن تلك التساؤلات التي شغلت الأوساط الرياضية على سبيل المثال؛
– هل يملك الأمين العام للاتحاد سلطة تقريرية تخوله لتحديد تبعية الاتحادات الانتقالية المنشأة وفقا للنظام الأساسي للاتحاد للعام 2017م دون الرجوع للجمعية العمومية التي اقرت إنشاء هذه الاتحادات؟ إن الجمعية العمومية هي التي تمتلك حق إلغاء أو تجميد أو إسقاط عضوية الاتحادات الانتقالية وفقا لاحكام النظام الاساسي الذي أنشأت بموجبه الاتحادات الانتقالية وبالطبع ليس الأمين العام.
– هل التوجيه بتبعية الاتحادات الانتقالية قرار اداري تنفيذي؟ ام قرار مؤسسي يندرج تحت اختصاص مجلس ادارة الاتحاد او الجمعية العمومية؟ اذا افترضنا ان خطاب الامين العام كان عملا اداريا وتفيذيا للإحاطة بقرارات وتوجيهات مجلس الادارة او الجمعية العمومية, فلماذا لم يحدد رقم الاجتماع الذي اتخذت فيه هذه القرارات وتاريخه؟
– لماذا لم يوضح خطاب الامين شروط تبعية الإتحادات الانتقالية للإتحاد المحلية؟ معلومأنمثل هذه التبعية تقتضي وجود لائحة أو نظام أساسي يحكمها, فماهي المرجعية التي اعتمد عليها الأمين العام, فاذا اعتمد على النظام الاساسي 2017م والذي تضمن النظام الاساسي للاتحادات الفرعية وأشار في المادة (62) الى ان الاتحادات الانتقالية تعامل كاتحادات محلية, فلم يعد هذا النظام ساريا ولا يصلح ليكون مرجعا لهذه التبعية وذلك لاجازة النظام الاساسي 2025 والذي لم يتطرق البتة الى الاتحادات الفرعية عليه يعتبر التوجيه بالتبعية قاصرا ما لم يوضح السيد الامين العام اللائحة والشروط والاسس التي تنبني عليها هذه التبعية.
– هل بلغ الاستخفاف بالاتحادات الانتقالية لدرجة أن يصدر الأمين العام قرارا وجوديا بشأنها في هامش خطاب لمنمعنون لها, ويستنكف الأمين العام بمخاطة الاتحادات الانتقالية كاجسام اعتبارية محترمة لها كسبها ومساهمتها في دعم الحركة الرياضية على مستوى القطر.
– إن من أسوأ التداعيات التي تسبب فيها خطاب الامين العام المثير للجدل, اسلوب التنمر الذي مارسه بعض قادة الاتحادات المحلية الذين فهموا أن الاتحادات الانتقالية صارت اتحادات فرعية خاضعة لها من النواحي المالية والادارية والفنية, وبالتالي لها الحق في الاشراف عليها وتوجيهها والاستفادة غير المشروطة من خدمات لاعبيها والتبسير بمنعها من المشاركة في الدوريات القومية، وما حادثة اتحاد تنبول مع اتحاد رفاعة التي وصلت الى النيابة إلا خير دليل.
– ربط السيد الأمين العام تاريخ إنفاذ توجيهه وترتيب أثره القانوني, بعملية تعديل الانظمة الاساسية للاتحادات دون توقيت محدد وملزم, فاذا لم تستجب الاتحادات الى هذا النداء أوتباطأـت, فما هو الوضع الذي ستكون عليه الاتحادات الانتقالية؟
– اذا عدلت الاتحادات المحلية انظمتها الاساسية والتزمت بتوجيه الامين العام في مواءمة انظمتها لتتوافق مع النظام الاساسي للاتحاد العام 2025م الذي لم ينص على الاتحادات الانتقالية أو الفرعية, فماهي التدابير التي وضعها الأمين العام لتلافي مثل هذه الاحتمالات؟
إن الأمر الذي أغفله الأمين العام أن الحقوق الناشئة وفقا لمبدأ الممارسة الفعلية والعملية والمتواصلة, والمستندة على النظام الاساسي للاتحاد السوداني لكرة القدم لسنة 2017م لا تسقط بإجراءات أحادية او استثنائية, حيث أقرت المادة (65) من النظام الاساسي للاتحاد العام 2017م بوجود الاتحادات الانتقالية الأمر الذي أضفى عليها شرعية قانونية, بل أشارت ذات المادة (65) إلى منح الاتحادات الانتقالية كل امتيازات الاتحادات المحلية ما خلا المشاركة في الانتخابات. إن النظام الأساسي للاتحاد السوداني والمجاز في 2025 لم يورد نصاً صريحاً بشأن الاتحادات الانتقالية، مما يفتح بابا لعدة تساؤلات, فهل قصد المشرّع (الجمعية العمومية) إنهاء هذه الاتحادات؟ أم أن السكوت يعتبر قصوراً تشريعياً يستوجب التفسير والتكملة؟ وإذا افترضنا جدلا أن المشرع قصد إنهاء الاتحادات الانتقالية, فمعلوم أن أي تدبير أو نص جديد لا يسري بأثر رجعي لإلغاء مراكز قانونية قائمة كالاتحادات الانتقالية التي نشأت بصورة قانونية وذلك وفقا لمبدأ عدم رجعية القوانين. من نافلة القول أن نذكر أن الاتحادات الانتقالية اكتسبت مراكزاً قانونية صحيحة بموجب نص المادة (65) المشار إليها أعلاه مما يعزز شرعية وجودها ويجعل محاولة مصادرة هذه المراكز القانونية دون مسوغ قانوني واضح أمرا مستغربا, إذ أن استمرار مشاركة الاتحاد الانتقالية لاكثر من عقد من الزمان في المنافسات القومية رسّخ مركزها القانوني المكتسب والذي اصبح حقا لا يمكن إلغاءه أو مصادرته إلا بقرار صريح ومبرر من الجمعية العمومية, أو لمخالفة نص قانوني واضح, وليس عبر قرارا أو تدبيرا يفتقر للأهلية القانونية كما ورد في خطاب الأمين العام للاتحاد. إن أي اتجاه لتغيير التوصيف القانوني الذي ورد في النظام الاساسي للاتحاد العام 2017م والذي نشأت بموجبه الاتحادات الانتقالية سيشكل سابقة سلبية تضرب في مبدأ العدالة الرياضية، وتتسبب في حرمان هذه الاتحادات من حقها الطبيعي في المنافسة وهذا أمر مجحف وغير منصف.
إن جماهير وأندية وقيادات الاتحادات الانتقالية تثق في قيادة الاتحاد العام في حرصها على ترسيخ مبادئ العدالة والشفافية وعدم إهدار مكتسبات الاتحادات الانتقالية التي ظلت تمارس نشاطها وفق نظم اساسية وأطر قانونية راسخة منحتها الفرصة في المشاركة في الدوريات القومية وداومت على الاستمرار فيها، فإن أي إجراء لإقصاء الاتحادات الانتقالية أو تغيير مركزها القانوني دون آلية قانونية صحيحة من الناحيتين الموضوعية والإجرائية فإن ذلك سيقدح في العدالة الرياضية والإنصاف والوجدان السليم لمتخذي القرار.
إن كتلة الاتحادات الانتقالية تأمل ان يتم تدارك الامر في اجتماع مجلس ادارة الاتحاد المزمع انعقاده في 18/ 9/ وذلك بالتدخل العاجل وإصدار توجيه صريح بإدراج الاتحادات الانتقالية ضمن برمجة الاتحادات المشاركة في الدوري العام المؤهل للممتاز ودوري السودان، حفاظاً على الحقوق المكتسبة، ودعماً لمسيرة الاتحادات التي ظلت تساهم بفعالية في إثراء المنافسات الرياضية بالسودان وتتمتع برصيد مشرّف يصعب تجاهله أو مصادرته أو إهداره بقرارات إدارية لا تقوم على اساس قانوني سليم كالتي جاءت في خطاب الامين العام والذي اصبح المرجع الوحيد في هذه الجدلية وهو لا يصلح ان يكون حجة. إن معالجة وضع الاتحادات الانتقالية يتطلب التزاماً بالمبادئ القانونية والرياضية المعمول بها، بما يضمن العدالة والشفافية، ويحفظ الحقوق المكتسبة للكيانات التي نشأت ومارست نشاطها في ظل نصوص قانونية صحيحة تعد من المبادئ الراسخة في الفقه والقانون الرياضي ولوائح الفيفا التي تحظر إقصاء أي كيان رياضي دون مبررات موضوعية قائمة على معايير موحدة وعادلة. تظل كل الخيارات مفتوحة امام كتلة الاتحادات الانتقالية وانديتها وجماهيرها في التقاضي والدفع القانوني لأعلى مستويات ودرجات التقاضي أو تجميد نشاطها أو الانسحاب في حال لم يستجب لمطالبتها في التدخل العاجل من رئيس الاتحاد ومجلسه الموقر لتدارك المشكلة التي فجرها خطاب الامين العام.
Krimhashimi5@ gmail.com
0912677147



