منوعات وفنون

طابت.. ذكريات الطفولة والصبا..

بقلم/ عبدالعظيم سعيد:

 بمداد الحبر الأخضر أكتب: حينما كان الزمان أخضرا والأماني عراض والنفوس كبارا .. وأقول للزمان هل من عودة هل؟

كان عمري وقتها عشرة أعوام ونحن في الديوان في حلتنا السعيداب الجباراب الدامر كان ذلك عقب صلاة العشاء والعشاء .. فسمعت حديثا يدور بين والدي سعيد خالد وأخي الأكبر علي سعيد عليهما من الله سحائب الرحمة والمغفرة والرضوان ..فكان فحوى الحديث أن أخي الأكبر علي سعيد قد قرر أن يأخذني معه إلى طابت لأكمل دراستي الإبتدائية هناك .. فوافق أبي على رأي أخي علي سعيد .. وكان والدي عليه الرحمة هينا سهلا لينا تستخفه بسمه الطفل وقويا يصارع الأجيالا .. ففرحت يومها ولم أنم من شدة الفرحة حتى صباح الغد .. وفي ذات المساء وأنا فرح بماسمعت أخبرت أمي العزيزة لها تحية الصحة وموفور العافية وأخبرت إخواني وأخواتي بأنني مسافر مع علي أخوي باللوري إلى طابت لأكمل دارستي هناك .. وقلت في نفسي سرا سأرتاح من حياة الريف ومشقة العمل في الزراعة والسعية (( واطيب من العلي وأرتاح وليلي الحالك يبقى صباح بدرالحسن لي لو لاح )) فجهزوا لي الهديمات التي تعد على أصابع اليد الواحدة على قلتها .. بعد أن غسلوها بالصابون من ذرات التراب وريحة التمر ولون الخدار خالف لبد .. واحسب أن والدتي وأخواتي وإخواني قد جال بخاطرهم قول الفنان محمد جبارة ( رصوا الهديمات عدلو وركبو اللواري وقبلو وخلوني وحدي بلا أنيس كيف الفراق اتحملو ) شوفي الزمن يايمة ساقني بعيد (خلاس) .. وبعد رحلة شاقة ومعاناة الطرق الترابية غير المعبدة من الدامر إلى الخرطوم 300 كيلو متر حتى وصلنا العاصمة الخرطوم وكان سائق اللوري المرحوم جاه الرسول (سمبو) .. وسمبو يعد من السواقين المهرة والصناعية الأفذاذ ومن أمثاله كثيرون هم من أبناء طابت وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر منهم عبدالرحيم الحسين .. وعلى احمد سالم (حلبة) وعثمان الجيلاني (الزبيرات) وحسن الصديق الحسن .. وعلي محمد عبدالرسول .. الرحمة والمغفرة والرضوان للذين رحلوا من هذه الفانية .. وتحية الصحة وموفور العافية للأخوين (حسن الصديق الحسن وعلي محمد عبدالرسول) .. ومن الخرطوم مرورا إلى طابت الشيخ عبدالمحمود .. ومن شدة فرحتى بهذه الرحلة الميمونة والسفرة الطويلة الشاقة والممتعة في وقت واحد .. كان شوقى للوصول إلى طابت لا تحده حدود
ولم التفت للخرطوم أو غيرها من المدن والأرياف التي طواها وضرعها (الأوستن) وهو ينهب الأرض نهبا حجرها ومدرها تاركا خلفه العلال يملا الفضاء منذ أن فارقنا الزلط بعد الجديد الثورة ونزلنا إلى (شارع الهواء) وقهوة الخشب .. وتيمنا كاب الجداد والسديرات والنخيرة وصافية وكتفية (وفي كتفية ديك كم شبع الصغار ..وسييفك للفقر قلام ) حتي وصلنا ذات مساء الى المحروسة طابت وقلنا سلام .. وأكثر مالفت انتباهي وأنا ابن الريف القادم للتو .. لمبات النيون المضاءة ليلا بالشوارع .. وصهريج المياه الذي يجاور منزل اخي على سعيد .. المنزل التحفة المعمارية والكنتين الناصية وفرج عباس .. ونادي العمال .. وزقاق ناس حامد عبدالله ..أشهر زقاق في طابت .. ومن بعد ذلك عرفت الأهل والجيران الكرام حوش ناس العم المبارك موسى وناس ود أرباب وناس حامد عبدالله.. وحوش ناس خالد وحوش ناس عباس الحسن وحوش البرابره ناس عمنا مختار حسب النبي، وحوش ناس العياشي وناس ابو إدريس وناس شيخنا الفكي النور وناس ود النيل والجامع والمسيد والقباب والحفير والترعتين والدكتين والرعاه .. والنادي الأهلي والمستشفى وطلمبات الوقود .. وناس احمد المصطفى المقلي والسوق وجزارة اللحم ناس النقي واب دومة وعبدالغني الأطرش وتاج الدين الطيب حامد .. وزنكي الخضار والفواكهه وناس احمد الشيخ .. والورش والمجلس الريفي لطابت والحي الغربي لطابت (( احن إليك ياطابت احن لحيك الغربي ياطابت )) وتم قبولي في مدرسة طابت الإبتدائية الشمالية وكان ذلك بعد إضافة الفصل الخامس والسادس والسلم التعليمي الجديد كان ذلك في عهد النميري ووزير التربية والتعليم محي الدين صابر .. فالحقت بالفصل الرابع وأذكر من المدرسين المرحوم الشيخ عبدالجبار المبارك موسى وكان خطاطا ماهرا .. والمرحموم الشيخ عباس محمد البشير .. والناظر المرحوم عثمان كاسراب ..ومن زملاء الدراسة والفصل أذكر منهم الشيخ جمال الدين الشيخ عبدالمحمود .. وإبراهيم علي ابوقرون ..وأنور السماني الطيب . ومبارك محمد عباس وميرغني احمد عشرة وغيرهم كثر .. وأول عهدي بالتلفزيون .. رايته في منزل اخي علي سعيد .. فأصابتني الدهشة والذهول وكدت أن اهرب منه خوفا وفزعا وأنا أرى فريد عبدالوهاب يقرأ نشرة التاسعة مساء فعجبت من شحص نراه ولا يرانا .. ومن بعد ذلك كان مسلسل فارس ونجود .. نجود بنت الشيخ إطراد وسهرتنا اليلة (قوافل الزمان) .. وشرم برم كعب الفجنان .. وركبنا ع الحصان نتفسح سوا .. بعدها طفت بالسوق وحواري وازقة وميادين طابت ودار الرياضة كانت وقتها مسورة بجوالات القطن الفارغة .. وموقف الخرطوم وبصات ودالكمن وكشك التيجاني ومكتبة حبيب عبدالرحيم .. وفول مهدي وقهوة الزبير سعيد ..واستديو ابرق وقهوة جانقي وشاي العصر باللبن وفرن حامد عبدالله وفرن بخيت دراج والهناقر الضخمة للطواحين وسوق العيش ودكان عمي احمد حمزة الدالي ..ودكاكين ناس أحمد علي الحاج واحمد كوكو واحمد عبدالله .. وعبدالقادر أبوإدريس والأمين عبداللطيف وترزي الشباب الأمين الشيخ ودكان ناس الطيب قمر الدولة وعبدالله احمد عبدالله ودكان حاج بابكر دكين والطاهر محمد الحسن وتدي شعير .. وحاج خالد والترزي فضل على سلامة وميرغني كبانية وعثمان الشراقي .. ومحمد الطيب النور وعبدالقادر ودبلل .. وناس الامين النيل وصالون مصطفى الحلاق .. والترزي علي كاركتلي ودكان الهادي النزل .. وناس عبدالعاطي .. وحلواني الزبير الوسيلة .. وقهوة كونو .. ودكان العم احمد المصطفى المقلي .. ومحمد سعيد وعثمان فرح .. وغير ذلك .. العديد العديد من المحال التجارية والرموز والأعلام بسوق طابت .. وأول حفل شهدته كان في منزل حوش المرحوم عمنا عباس الحسن وكان الفنان ود المبارك سمعته يغني لأول مرة بصوت جهور وبدون مايكرفون ويسمع مابين الترعتين وكان من الأناقة والهيبة والعلو بمكان .. وعرفت لاحقا ما كان في ود مقنعة يستطيع او يقدر أن يخرب حفلة فنانها محمد المبارك .. أب كرابة .. والكرابة هي حزام البنطال واول من لبس الحزام هو الفنان محمدالمبارك ..أناقة مش كدا يا عاصم .. وقيل أن العم المبارك موسى عليه رحمة الله حينما رأى إبنه على هذا الحال .. قال له ها جنا ها الشى شنى الكاربها بطنك دي .. يعني الحزام فمن يومها أطلق على الفنان محمد المبارك ..أب كرابة .
الرحمة والمغفرة والرضوان وأعالي الجنان لمن ورد ذكرهم هنا وهم في دار القرار .. وتحية الصحة ومفور العافية للذين هم على قيد الحياة ومعذرة لمن لم يرد ذكرهم هنا خشية الإطالة.. وطابت في القلوب وفي الحنايا والوجدان وطابت زهرة المدائن وايقونة العلم والفنون والآداب .. تحياتي ولنا عودات إن طالت بنا حياة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى