مقالات

نقابات العمال.. استحقاقات ما بعد الحرب

من حروفي

خالد الفكي سليمان:

khalidfaki77@gmail.com

تشكل عودة نشاط الاتحاد العام لنقابات عمال السودان محطة بالغة الأهمية في مسار إعادة بناء مؤسسات المجتمع المدني عقب الحرب، إذ يمثل الاتحاد مظلة جامعة تعبر عن صوت العمال وتطلعاتهم، في ظرف دقيق تتشابك فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

إن المتغيرات التي أفرزتها الحرب ألقت بظلالها الثقيلة على قطاعات العمل والإنتاج، فضعفت المرتبات وتآكلت القوة الشرائية للعاملين في القطاعين العام والخاص، ما يجعل من الضروري أن يتجه الاتحاد إلى التخطيط السليم القادر على مواكبة الواقع الجديد، بعيداً عن الشعارات التقليدية التي لم تعد كافية لمواجهة استحقاقات المرحلة.

ويبرز هنا دور الاتحاد في البحث عن بدائل عملية لدعم الأعضاء، ليس فقط عبر المطالبة بتحسين الأجور، وإنما من خلال الانخراط في شراكات استراتيجية مع القطاعين العام والخاص، بما يوفر للعاملين فرصاً للانتفاع من مشروعات منتجة مباشرة تصب في تحسين أوضاعهم المعيشية. إن نجاح هذه التجربة يقتضي تسهيل الإجراءات وتبسيط مسارات الاستثمار دون الانزلاق إلى المغالاة في هامش الربح، حتى تبقى المصلحة النهائية في خدمة العمال وأسرهم.

كما تفرض المرحلة الراهنة على الاتحاد تبني خطاب واقعي متوازن، يستوعب التحديات الاقتصادية الكلية التي يواجهها السودان، مع الحرص في الوقت ذاته على أن يكون صوت العمال مسموعاً في أي عملية تفاوض أو رسم سياسات إصلاحية. فالعمل النقابي هنا يتجاوز كونه أداة مطلبية، ليصبح جسراً لبناء الثقة بين الدولة وأصحاب العمل والعمال، بما يحقق قدراً من العدالة الاجتماعية ويعزز الاستقرار.

إن استعادة الاتحاد لدوره لا ينبغي أن تكون مجرد عودة شكلية، بل انطلاقة جديدة تتبنى رؤية اقتصادية-اجتماعية حديثة، تستلهم التجارب الناجحة وتترجمها في مشروعات عملية ملموسة. وفي ظل التحديات التي يواجهها السودان ما بعد الحرب، فإن النقابات أمام فرصة لإعادة التموضع كفاعل وطني يسهم في صياغة عقد اجتماعي جديد، يوازن بين ضرورات الإنتاج وضمان حقوق العاملين وصون كرامتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى