القضارف.. كرم وبطولات بين زخات المطر والرصاص

بقلم/ عقيد مهندس ركن عبدالعال الأمين أحمد مصطفى:
أحدثكم عن ولايةٍ هي من أنقى بقاع الوطن قلبًا وروحًا، قضارف الخير، أرض الكرم والبطولة والعطاء.
القضارف، تلك التي إذا أقبل خريفها عمّ خيرها، وإذا نادى الوطن لبّت النداء دون تردد.
عرفتُ أهلها كرماء لا يُجارون، وشجعانًا لا يُقهرون، يستقبلون ضيوفهم بالابتسامة قبل الطعام، ويفتحون بيوتهم كما يفتحون قلوبهم — فسلامٌ على القضارف أرضًا وشعبًا وقيمًا.
عامان من الزمان أقمت فيهما بين أهل القضارف ولم تكن القضارف فيهما محطة عابرة أو مهمة رسمية وإنما كانت مدرسة حياة كاملة علّمتني أن الكرم ليس صفة في الكتب بل ممارسة يومية تسكن تفاصيل الناس ووجوههم وضحكاتهم .
عرفتُ أهل القضارف وهم يشبهون خريفها.. لطف غمامٍ يظلّل، وكرم مطرٍ يسقي، ودفء أرضٍ تُنبت الخير بلا حساب. أهلٌ إذا حلّت المحنة كانوا أوفى من يقف بجوارك، وإذا جاء الفرح كانوا أصدق من يشاركك.
شهدتُ القضارف في أيام عسيرة، وهي تفتح أبوابها للنازحين من خمس ولايات.. تُخلي المدارس والكليات والمساجد والمنازل لتستقبل ضيوفها، وكأنها تقول: البيت بيتكم.. والسقف سقفنا جميعاً. لم تكن تلك مواقف عابرة، وإنما كانت تعبيراً عن طبيعة متجذرة في وجدان أهلها.
وفي لحظات الحرب والقتال، رأيتُ كيف تتحول هذه الأرض الطيبة إلى درع وسيف.. رجالها يجهزون المتحركات من حر مالهم، يسهرون على صيانة المركبات القتالية بأنفسهم وأموالهم ويودّعون أبناءهم إلى خطوط النار بلا تردد، مؤمنين أن الوطن يستحق الفداء.
من الحواتة انطلق متحرك البطل عبادي الطاهر (النبأ اليقين) ودحر المليشيا من اربعة ولايات وسانده انطلاقا من القضارف تجهيزا وتنسيقا العمدة صالح كوري الذي طهر جنوب الدندر وسنجة وفي البطانة، حيث الصلابة والقوة، وابطال درع السودان أبطال كيكل للكسح والمسح وبمعيتهم مستنفري البطانة وشرق الجزيرة حيث شاهدتُ كيف ارتد المتمردين مذعورين وتمت مطاردتهم حتي الخرطوم ومنها لولايات كردفان اما الفاو حيث متحركات الشرقية التي ثبتت العدو واندفعت تطارده حتي جياد بمشاركة ابناء القضارف في العمل الخاص وكتيبة اسود غضروف سعد اولاد مكوك البوادرة وهنا يثبت أهل القضارف أن السودان لا يمكن أن يُكسر من شرقه.
القضارف حيث عرين الفرقة الثانية مشاة بقيادة اللواء خالد القاضي وجنوده الفدائيين
تلك القلعة العسكرية الشامخة التي ما توانت يومًا عن أداء واجبها وتدفقت كتائبها في جميع المتحركات ويقاتل أفرادها في جميع المحاور والجبهات.
إن قواتنا المسلحة السودانية، وهي تخوض معارك الشرف دفاعًا عن الوطن، قد أثبتت أنها عصيةٌ على الانكسار، راسخةٌ كالجبل، سحقت التمرد ودحرته، وأعادت للوطن كرامته وهيبته.
وستظل، بإذن الله، الحارس الأمين للوطن، وصمام أمانه، ودرعه المنيع أمام كل عدوٍ ومتربص.
أبناء القضارف تدافعوا للاستنفار وتوشحوا بالكاكي وحرسوا حدود الولاية بعيونٍ لا تنام، وقدمت الولاية أبناءها قرابين مجدٍ وفداءٍ من أجل ان السودان يستحق العزة والكرامة
وقدموا جهدٍ منظمٍ وتنسيقٍ رفيعٍ، أثمر أمنًا واستقرارًا استثنائيًا في هذه الولاية العزيزة.
لقد جسد شعب القضارف التكامل الحقيقي بين الدولة ومواطنيها في أبهى صوره
ولكن، بعيداً عن المعارك والسلاح، ستظل في الذاكرة تلك الجلسات البسيطة مع أهلها، قهوة الصباح في الأسواق، التحايا الدافئة في الطرقات، ووجوه الأطفال التي تضيء بأمل رغم قسوة الظروف. تلك التفاصيل الصغيرة هي التي صنعت بيني وبين القضارف علاقة خاصة، علاقة ستبقى ما بقي العمر.
القضارف ليست ولاية عادية في جغرافيا السودان، إنها تجربة وجدانية، درس في الصبر والكرم، وعنوان للشجاعة وقت المحن. وستظل جزءاً من ذاكرتي ومن سيرة حياتي، مثل وشم لا يمحي
سلام على القضارف .. أرض الخير
رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات .
حفظ الله السودان،
وحفظ جيشه و قيادته ،
وأدام على قضارف الخير أمنها وكرمها الفيّاض،
وعلى وطننا الحبيب وحدته وعزته وكرامته.


