الناجون من الفاشر يروون شهاداتهم من المجازر إلى النزوح.. ذاكرة لا تموت

تقرير- حنان الطيب:
في أعقاب سقوط مدينة الفاشر في يد مليشيا الدعم السريع، لم تكن الطرقات وحدها مزدحمة بالنازحين، بل كانت الأرواح مثقلة بما لا يُقال.
آلاف المدنيين فرّوا من أحياء تحولت إلى ساحات قتل، ومن بيوت لم تعد تعرف أصحابها.
شهدت مدينة الفاشر أحداثًا مأساوية ارتكبتها المليشيا، تركت وراءها قصصًا مروعة للناجين الذين تمكنوا من الإفلات من الموت بأعجوبة.
شهاداتهم تكشف حجم الانتهاكات والمعاناة الإنسانية، من فقدان الأسر، إلى الجوع والعطش، وصولًا إلى الابتزاز والقتل العشوائي.
هذا التقرير يوثق بعضًا من تلك الأصوات التي نجت لتروي الحقيقة.

من هول ما رأيت
يقول علي آدم لم اتخيل أن أكون من الناجين من هول ما رأيت وما عانيت أثناء الجري وسط دوي الرصاص وسقط من سقط ونجا من نجا، ، قال: كنا نسير مجموعة للخروج من الفاشر لطويلة سقط معظم الذين كانوا معي ولم نبق سوى ثلاثة أشخاص وخلعنا ملابسنا، ولفينا بها أرجلنا من الشوك (الضريسة) أحيانا نجري ومرات نحتمي بأشياء لاتوفر الحماية دون ماء أو طعام وصلنا بعد ٣ أيام لطويلة في حالة يرثى لها وفقدت أفراد اسرتي وأعيش حالة نفسية سيئة.
أكل صفق الشجر..
ويقول د. يحى يوسف “نجوت من الموت بأعجوبة. سُرق كل ما أملك، وجُردت من ملابسي حتى لم يبقَ لي سوى الملابس الداخلية. لم أجد من كانوا معي، فقد تساقطوا في الطريق تحت الرصاص، وبقيت وحيدًا أعاني من الجوع والعطش. كنت آكل أوراق الأشجار وأحيانًا أبتلعها.
أثناء احتمائي ثم سمعت أصوات أطفال، فبدأت أناديهم بصوت ضعيف من شدة التعب. وصلوا إلي وأعطوني ما أرتديه، ثم حملتني أمهم على حمار إلى منطقة بها (استارلنك). هناك صادفت ثلاثة أشخاص، وسُئلوا إن كانوا سيدفعون مالًا لإطلاق سراحهم، فأجابوا أنهم لا يملكون شيئًا، فتم إطلاق الرصاص عليهم أمامي.
بعدها سألني منسوبو مليشيا الدعم السريع، إن كنت سأدفع، فأجبت بنعم، وأعطوني هاتفًا لأتصل بأهلي الذين أرسلوا مبلغًا ضخمًا، ثم أعادوني على ظهر الحمار إلى بيت الأسرة، وقال لي والدهم: عند المغرب سيأتي (موتر) ليأخذك إلى مدخل طويلة، لأنك إن بقيت ستقع في يد آخرين ويطلبون منك مالًا جديدًا. وبالفعل، جاء الموتر وأوصلني إلى مدخل طويلة.” في حالة يرثى لها.

في كل زاوية..
تقول علوية النور: “قبل سقوط الفاشر وبعده، رأيتُ ما لا يمكن للعقل أن يتصوره. القتل والنهب والتعذيب كان حاضرًا في كل زاوية، والجثث تُحرق أمام أعيننا بلا رحمة. فقدتُ زوجي واثنين من أطفالي، ولا أعرف إن كانوا بين الأحياء أم الأموات، فقد سُرقت هواتفنا وانقطع كل سبيل للخبر. ما شاهدته أغرب من الخيال، وما زلتُ حتى الآن غير قادرة على استيعاب ما مرّ بنا.”
ملئ بالجثث
فيما ذكر عدد من الناجين مشاهد صادمة خلال رحلتهم من الفاشر إلى منطقة طويلة وصفوا الطريق بأنه مليء بالجثث، مشهد ترك أثرًا نفسيًا بالغًا في نفوسهم وانهيارا نفسيا.
حالة نفسية سيئة..
الكثيرون وصلوا إلى طويلة في حالة نفسية سيئة، بعضهم لم يتمكن من الكلام بسبب الصدمة، اما الأطفال في حالة رعب بعض الأطفال كانوا في نوبات صراخ وخوف شديد، فيما أصيب آخرون بحالات تبول لا إرادي نتيجة الهلع والخوف.
ووصل البعض بحالات صحية سيئة، هناك من فارق الحياة بعد وصوله إلى طويلة، نتيجة الإرهاق والجوع والعطش. أكدوا أنهم في حاجة ماسة إلى دعم نفسي واجتماعي، لمساعدتهم على تجاوز آثار ما شاهدوه وما فقدوه مؤكدين ان المسلحين مارسوا الابتزاز المالي والقتل وأعدموا من لم يتمكن من الدفع.
وصفو الوضع الانساني بالسئ في طويلة مشيرين لعدم توفر الغذاء والماوئ وغيرها من الاحتياجات، ناهيك عن معاناة المرضى من عدم توفر الأدوية والمحاليل الوريدية.محذرين من تفاقم الوضع.

حقائق وارقام
ومع تصاعد الأحداث الأخيرة في أكتوبر ونوفمبر 2025، أكدت تقارير أممية ودولية مقتل نحو 460 شخصًا داخل المستشفى، إلى جانب نزوح أكثر من 81 ألف شخص إلى مناطق مجاورة أو عبر الحدود إلى تشاد.
وقد وصفت الأمم المتحدة الوضع في الفاشر بأنه “كارثي ومثير للقلق”. وتشير تقديرات محلية ودولية إلى أن عدد الوفيات الكلي يتراوح بين 1500 إلى 2500 شخص نتيجة الهجمات الجماعية والتطهير العرقي، بينما وثّق مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مقتل 782 مدنيًا بشكل رسمي وإصابة أكثر من 1143 آخرين.
كما سجّل المستشفى السعودي للولادة بالفاشر أكثر من 460 حالة إصابة حرجة، في ظل حصار خانق استمر لأكثر من 500 يوم أدى إلى انهيار شبه كامل للخدمات الأساسية ونقص حاد في الغذاء والدواء. إلى جانب شهادات الناجين، تكشف حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها المدينة وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية عاجلة للتحرك.

من المحررة
إن شهادات الناجين من أحداث الفاشر تكشف أن المأساة لم تنتهِ عند النجاة من الرصاص أو الوصول إلى طويلة أو غيرها من المناطق ، بل تستمر في شكل معاناة نفسية عميقة.
يحتاج هؤلاء الناجين إلى أكثر من الغذاء والمأوى، إنهم بحاجة إلى رعاية نفسية عاجلة، حتى يتمكنوا من استعادة قدرتهم على الحياة بكرامة، وتجاوز آثار الصدمة التي عاشوها. الأحداث تركت ندوبًا نفسية عميقة لدى الناجين، خاصة الأطفال، الذين يعيشون حالات صدمة ورعب.



