الإعاقة والنزوح القسري.. أزمة إنسانية بلا صوت

تقرير- حنان الطيب:
منذ اندلاع حرب دارفور عام 2003، وصولاً إلى الحرب الأخيرة في السودان بتاريخ 15 أبريل 2023، ظل الأشخاص ذوو الإعاقة من أكثر الفئات عرضة للانتهاكات والتهميش.
ومع تصاعد النزاعات المسلحة، تضاعفت أعدادهم وتفاقمت معاناتهم، حيث يواجهون ظروفاً إنسانية بالغة القسوة من قتل وتشريد وحرمان من أبسط مقومات الحياة. هذا التقرير يوثق شهادات ومعلومات كشفتها مبادرة ممرات آمنة ودور صديقة للأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة إلى روايات الناجين من مدينة الفاشر ومناطق النزوح.
21 ألفا..
كشفت المبادرة أن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في ولايات دارفور منذ حرب 2003 وحتى ما قبل حرب أبريل 2023 بلغ نحو 21 ألف شخص، يشمل الإعاقات القديمة والجديدة الناتجة عن الحرب. بعد سقوط مدينة الفاشر، بلغ عدد الناجين نحو 8 آلاف شخص، منهم 2,752 وصلوا إلى منطقة طويلة العمدة.
الإحصائيات أوضحت أن نسبة نجاة النساء في النزاعات لا تتجاوز 25% مقارنة بالرجال بنسبة 75%، وهو مؤشر خطير على هشاشة وضع النساء ذوات الإعاقة.

الانتهاكات الممنهجة..
بحسب منى قاسم، ممثلة المبادرة، فإن مليشيا الدعم السريع عمدت إلى التخلص من الأشخاص ذوي الإعاقة، ووصفتهم بـ”عديمي الفائدة”. حتى الفارين من الحرب وهم يصطحبون ذوي الإعاقة، تعرضوا للقتل أمام أعين ذويهم، حيث كان يقال لهم: “نريحكم منهم”.
وقالت: تشير تقارير حديثة إلى تفاقم ظاهرة الاغتصاب وسط الأشخاص ذوي الإعاقة، وبشكل خاص النساء والفتيات من ذوات الإعاقة الذهنية. فقد تم توثيق أكثر من عشرين حالة اغتصاب، وهي الحالات التي تمكنت أسر الضحايا من الإفصاح عنها، بينما يرجّح أن العدد الحقيقي أكبر بكثير نظرًا لصعوبة التبليغ والخوف من الوصمة الاجتماعية.
المبادرة تشير إلى أن نحو 15 ألف شخص من ذوي الإعاقة محاصرون حالياً في ولاية شمال كردفان بعد نزوحهم إلى مدينة الأبيض، ويواجهون ظروفاً مأساوية من جوع وانعدام العلاج ومعينات الحركة.
دور المبادرة
وقالت قاسم تأسست مبادرة ممرات آمنة ودور صديقة للأشخاص ذوي الإعاقة في الشهر الثاني من حرب أبريل 2023 بجهود ذاتية من ذوي الإعاقة أنفسهم، وعملت المبادرة على إطلاق نداءات إنسانية، وتلقت دعماً من فاعلي الخير، إضافة إلى التعاون مع مبادرة شارع الحوادث وبعض المنظمات.
وساهمت في إجلاء بعض الأشخاص من الخرطوم ومدني إلى نهر النيل وعطبرة وكسلا، كما عملت على تأهيل دور الإيواء بما يتناسب مع احتياجات ذوي الإعاقة، وامتد نشاطها مؤخراً إلى الفاشر ومناطق الصراع.

شهادات الناجين..
ووصف عبدالله آدم رحلة النزوح من الفاشر بالشاقة، حيث تعرض البعض لبتر أطرافهم أثناء الفرار من نيران وانتهاكات الدعم السريع. أشار إلى سقوط إحدى عربات الكارو بقذيفة ومقتل من فيها، بينما نجا آخرون.
جليل سالم تحدث عن نهب ممتلكاتهم من قبل الدعم السريع وأخذ شخصين كانوا معهم، قبل أن يتم نقله لاحقاً إلى معسكر طويلة الشرقي حيث تلقى إسعافات أولية غير كافية.
أطراف صناعية..
فيما ذكر آدم علي، أنه نزح سيراً على الأقدام رغم إصاباته، مؤكداً الحاجة الماسة إلى أطراف صناعية وغذاء وكساء وعلاجات.
يقول سليمان محمد جار النبي أصيب بجروح خطيرة في اليد والرجل نتيجة هسي بعربة، واضطريت إلى معالجة نفسه بوسائل بدائية وسط الجوع والعطش.
اكد أن بعض الأشخاص فقدوا أطرافهم أو أعينهم واضطروا للزحف أو السير لأيام طويلة حتى وصلوا إلى منطقة طويلة، حيث استقبلتهم المبادرة وخففت عنهم بعض المعاناة.

جريمة مزدوجة..
ويؤكد ناشطون أن هذه الانتهاكات تمثل جريمة مزدوجة، إذ تستغل هشاشة الفئة المستهدفة وضعف قدرتها على الدفاع عن نفسها أو إيصال صوتها، ما يستدعي تدخلًا عاجلًا من الجهات المعنية لتوفير الحماية القانونية والدعم النفسي والاجتماعي للضحايا وأسرهم.
من المحررة..
ظروف الأشخاص ذوي الإعاقة في مناطق النزاع بالسودان مأساوية للغاية، حيث فقد الكثيرون أطرافهم أو حياتهم، فيما يعاني الناجون من الجوع والعطش وانعدام العلاج والكساء. ورغم الجهود المشكورة لمبادرة ممرات آمنة والمنظمات الإنسانية، إلا أن حجم الكارثة يفوق الإمكانيات المتاحة. إن هذه الشهادات والبيانات تمثل نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لتكثيف الدعم وتوفير الأطراف الصناعية، الغذاء، العلاج، والكساء، حفاظاً على ما تبقى من حياة وكرامة لهذه الفئة المنسية.




