دارفور ليست مزرعة لهوية واحدة.. قراءة تفكك وهم “العرب هم الأقوى”

تعقيب على مقال محمد إبراهيم مادبو بعنوان “العرب هم الأقوى في دارفور”
وائل عبدالخالق مالك:
من أبسط الحقائق المعروفة عن تركيبة سكان دارفور أنها ليست إقليماً عربياً خالصاً ولا أفريقياً خالصاً. دارفور فضاء واسع تعيش فيه عشرات بل مئات من الجماعات العرقية والقبلية. بعضها يصنّف ضمن القبائل العربية الرعوية في الغالب، وبعضها الآخر من القبائل غير العربية أو الأفريقية المستقرة زراعياً مع وجود مجموعات رعوية من ضمنها.
في تقرير حديث صادر عن وكالة اللجوء الأوروبية EUAA في 2025 يقدّر أن الجماعات غير العربية، مثل الفور والزغاوة والمساليت وغيرها تشكل بين ثلثي إلى ثلاثة أرباع سكان دارفور. أما القبائل العربية على اختلاف فروعها فتمثل نحو ربع إلى ثلث السكان.
هذا يعني أن أي حديث عن أغلبية عربية ساحقة يحتاج توضيحاً. أغلبية في ماذا بالضبط؟ عدد السكان؟ النفوذ السياسي؟ القوة المسلحة؟ المصادر الاقتصادية؟ من دون هذا التفصيل يصبح الادعاء مضللاً.
القول بأن العرب هم الأقوى في دارفور لا يصمد عند الفحص. المقال الذي يستند إلى هذا التصور اختزل الصراع في ثنائية عرب ضد غير عرب، وكأن الطرفين كتلتان متجانستان. التاريخ والواقع الاجتماعي في دارفور يثبتان العكس. فالتداخل السكاني والتزاوج والتجارة وتبادل المنافع كانت القاعدة وليس الاستثناء. بل إن العرب أنفسهم ليسوا كتلة واحدة، فالجزء المسلح الذي أسس الجنجويد أو مليشيا الدعم السريع يمثل فروعاً محددة من قبائل رعوية وليس كل العرب.
الصراع لم يبدأ حرباً عرقية صرفة. جذوره كانت تنافساً على الموارد مثل الأرض، والمراعي، والماء، والماشية، وكلما اشتدت الضغوط البيئية والجفاف زادت الاحتكاكات. تدخل الحكومات بتسليح بعض المجموعات الرعوية منح الصراع شكله المسلح، لكنه لا يغيّر حقيقة أن ملايين من العرب وغير العرب عاشوا معاً لقرون.
القول إن الحركات التي تمثل المجتمعات غير العربية ضعيفة قول غير منطقي. فهذه المجموعات تشكل الغالبية السكانية وتملك امتداداً تاريخياً وسياسياً في الإقليم. ما أضعفها هو التهميش وسياسات الدولة لا نقص العدد أو الشرعية.
تفجير الأزمة في دارفور كان حصيلة تداخل معقد بين صراع على الموارد، وقرارات سياسية خاطئة، ومحاولات احتكار السلطة. تحويل كل ذلك إلى صراع هوية يجعل التحليل فقيراً وخطيراً في آن واحد. فهو يغذي الكراهية ويبرر العقاب الجماعي ويختزل البشر في انتماءاتهم لا في أفعالهم.
دارفور فسيفساء تتكون من عرب وغير عرب، ورعاة وزراع، مدن وأرياف. لا يحق لأي مكون الادعاء بامتلاك الإقليم أو قيادته وحده أو انه الأقوى. الصراع الحقيقي هو على العدالة، والتنمية، وتوزيع السلطة، وليس على هوية واحدة تفرض نفسها بالقوة.
لهذا فإن اختزال المشهد في عبارة العرب هم الأقوى في دارفور لا يساعد أحداً على فهم الحقيقة، بل هي عبارة مضللة تشتت الانتباه عن جوهر الأزمة وتعمّق الشروخ التي تحتاج دارفور اليوم إلى رأبها لا توسيعها.



