إدارة الخلاف وليس قمع الرأي الآخر.. كيف نحمي الدولة دون أن نمزق بعضنا؟

تعقيب يتفق مع رأي الاستاذة رباح الصادق في مقالها بتاريخ 15 ديسمبر
بقلم/ عبدالخالق مالك:
الاختلاف الذي عبّرت عنه الأستاذة رباح الصادق في مقالها هو اختلاف حقيقي موجود داخل الساحة الوطنية ولا يمكن تجاهله أو تبسيطه بشعارات جاهزة. لكن الأهم من توصيف الخلاف هو طريقة إدارته لأن طريقة إدارة الخلاف قد تنقذ الدولة أو تسرّع انهيارها.
ما يجري في السودان ليس نزاع أفكار فقط ولا صراع روايات مجردة. هو حرب فعلية تهدد كيان الدولة نفسها. في مثل هذا الظرف تصبح الأولوية القصوى هي حماية الدولة ومؤسساتها الأساسية وعلى رأسها القوات المسلحة بوصفها الإطار السيادي الأخير المتماسك لا بوصفها حزبًا سياسيًا ولا طرفًا في مزاد أخلاقي.
في الوقت نفسه من الخطأ القفز من نقد مواقف سياسية إلى تعميمات تقسم الناس إلى وطنيين وخونة. هذا المنطق مهما كانت نواياه يخدم منطق الحرب لا منطق الدولة. التجربة السودانية نفسها علمتنا أن التخوين المتبادل لا يهزم عدوا ولا يبني جبهة وطنية بل يعمّق الشروخ ويحوّل الخلاف السياسي إلى قطيعة وجودية.
نعم هناك تدخلات خارجية، وهناك استغلال واضح لخلافاتنا الداخلية. لكن مواجهة ذلك لا تكون بإلغاء الأسئلة المشروعة ولا بتخوين كل من يرى المشهد من زاوية مختلفة. كثيرون يخطئون التقدير لا لأنهم عملاء بل لأنهم أسرى تجارب سابقة أو مخاوف حقيقية من عودة الاستبداد. تجاهل هذه المخاوف لا يزيلها بل يجعلها أكثر راديكالية.
الدولة لا تُبنى بالاصطفاف الأعمى ولا تُحمى بتصفية الحسابات القديمة تحت ضغط الحرب. الدولة تُبنى بإدارة عقلانية للتناقضات تتمثل على سبيل المثال لا الحصر في دعم واضح للمؤسسات الوطنية في معركتها الوجودية ويقابل ذلك التزام صريح بأن هذا الدعم لا يعني تفويضًا مفتوحًا ولا إغلاقًا لمسار الإصلاح والمحاسبة لاحقًا.
نحن اليوم أحوج ما نكون إلي جبهة وطنية واسعة، ليست متطابقة فكريًا بل متفقة على حد أدنى واضح. وحدة الدولة والحفاظ على سيادتها ووقف الحرب وحماية المدنيين ومنع تفكك المؤسسات وعلى رأسها القوات المسلحة. ما عدا ذلك يمكن تأجيله وليس إنكاره أو دفنه بل وضعه في سياقه الصحيح.
البلد لا يحتمل كسرًا إضافيًا. وكل خطاب مهما كان صادق النية إن لم يساعد على تقليل الشقاق وبناء أرضية مشتركة فهو عمليًا يخدم الفوضى حتى لو عادى أعداءها نظريًا. هنا فقط يجب أن نختلف بعقل بارد وبوصلة وطنية ودون أن نكسر ما تبقى من الدولة ونحن نحاول إنقاذها.



