إسماعيل جبريل تيسو:
وبدلاً من أن تبكي وزارة الخارجية على اللبن المسكوب وتلهث وراء إدانة بيان الإيقاد، وتبدي ملاحظاتها وتُعمل استدراكاتها وتنتقد من صاغوا البيان، كان يمكنها أن تكون أكثر حصافةً وحرصاً بأن تشكل حضوراً في أعمال السكرتارية وتُبقي على ممثل لها يتابع كتابة التوصيات وصياغة البيان الختامي، ويتأكد من تضمين كل ما جاء في حيثيات ومداولات قمة الرؤساء بما يدعم موقف السودان الذي قدّم تنازلات كبيرة بقبوله عقد هذه القمة بعد أن حرص على تحديد موضوعاتها ومدعويها وساعات انعقادها.
سقطت وزارة الخارجية وهي تتعامل بعفوية وعدم مبالاة مع الإيقاد وما أدراك ما الإيقاد وموقفها الفاضح منذ الساعات الأولى لاندلاع الحرب، بانحيازها الواضح لميليشيا الدعم السريع، فما الذي كان يضير السيد الوزير علي الصادق لو استبق القمة وأوفد مدير الإدارة المعنية أو أي مندوبين من وزارته لمتابعة الترتيبات الجارية والوقوف على التحضيرات وقراءة اتجاهات القمة لمزيد من الاطمئنان والتأكد على أن رياح القمة ستجري وفق ما تشتهي سفن الإرادة والتوجهات السودانية.
لقد نجحت الإيقاد في أن تدِّس السمّ في الدسم، والمؤسف أن وزارة الخارجية ابتلعت الطُعم بعدم مهنية واحترافية وزيرها الهمام، فسجلت كالعادة سقوطاً مُريعاً في امتحان القدرة على الاستفادة من تنظيم قمة الإيقاد التي وافق رئيس مجلس السيادة على حضورها عقب لقائه في أكتوبر الماضي بالرئيس الكيني وليم روتو نيروبي، وما كان البرهان ليوافق على حضور هذه القمة لو لا أنه أخرج الهواء الساخن وبذل العتب على مواقف الرئيس روتو المعروف بعلاقته الخاصة ومصالحه المشتركة مع قائد ميليشيا الدعم السريع الهالك محمد حمدان دقلو.
ظللنا في أكثر من مقال نسيل الحبر ونطرق على الخلل الجوهري الباين في وزارة الخارجية ونوجه النقد لوزيرها بضعف قدرته على التعاطي الإيجابي ومواكبة الواقع الصعب الذي يمرُّ به السودان منذ اندلاع التمرد منتصف أبريل ٢٠٢٣م، وفاقد الشيء لا يعطيه، نقول ذلك ونحن على قناعة كبيرة باحتشاد وزارة الخارجية بالكفاءات الوطنية المدربة والمؤهلة والقادرة على إحداث الفارق في مضمار الدبلوماسية ولكن كيف نرجو النجاة ولم نسلك مسالكها، إن السفينة لا تجري على اليبسِ.
معلوماتي المؤكدة أن عشرات من الكفاءات الوطنية من السفراء والدبلوماسيين أصحاب الخبرات والقدرات، موجودون حالياً في عدد من دول الجوار وفي محيطنا العربي والأفريقي منذ اندلاع الحرب، تم تعطيل هذه الكفاءات والكوادر الدبلوماسية وحبسها عن العطاء وتهميشها بدعاوى ( الكوزنة) والانتماء للعهد السابق باستهداف متعمد ومحاولات مع سبق الإصرار والترصد لهدر هذه القوى البشرية وجعلها بعيدةً عن ميدان الفعل والإسنادو التأثير .
يتم هذا التجريف للكوادر المتميزة من الدبلوماسيين في وزارة الخارجية، في وقت استثنائي تحتاج فيه البلاد لطاقات أبنائها جميعهم، ناهيك عن هذه الكفاءات الدبلوماسية النادرة والمقتدرة والتي صرفت عليها الدولة ملايين الدولارات لتأهيلهم وإعدادهم لمثل هذا اليوم! ولعل الغريب في الأمر أن معظم الدبلوماسيين الذين يعتمد عليهم السيد وزير الخارجية من القحاتة ومن شايعهم، يسجلون فشلاً ذريعاً، ويعطلون البعثات والمحطات بالخارج ويحبسون أنفاسها عن العطاء ونجدة السودان، فما لكم كيف تحكمون!؟
مرةً ثانية وثالثة وعاشرة، نضع هذا الوجع الذي يعاني منه جسد وزارة الخارجية أمام قيادة الدولة لإيجاد العلاج الناجع لها، ولعل ما حدث في قمة الإيقاد بجيبوتي يدقُّ ناقوس الخطر بضرورة الانتباه للتردي المريع الذي ضرب معاني ومباني هذه الوزارة السيادية وانتقص كثيراً من قدر الدبلوماسية السودانية التي أنجبت اسماءاً ونجوماً لامعة تلالأت في سمائها على شاكلة الأديب الأريب محمد أحمد المحجوب، والقانوني الضليع والسياسي المحنك مبارك زروق، والمفكر الإسلامي حسن الترابي، والكاتب المرموق منصور خالد، وغيرهم كثير من الدهاقنة والفطاحلة الذين أرسوا قواعد العمل الدبلوماسي وكان يشار إليهم بالبنان، إنها أمانة نضعها بين يديك أخي الرئيس عبد الفتاح البرهان، وأخي المشرف على وزارة الخارجية سعادة الفريق شمس الدين كباشي، لتدركوا هذه الوزارة السيادية قبل أن يفور التنور فتصبح صعيداً زلقا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد.