إسماعيل جبريل تيسو:
وقبل أن تذهب رَوْعُ الحرب عن بلادنا، ونستشرف واقع الاطمئنان على اقتصادنا، جاءتنا البشرى تمشي على خيلاء، لتخبرنا أن الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، الذراع الحكومي المعني بالإشراف والرقابة على قطاع المعادن في السودان، قد أودعت في الميزان التجاري للدولة مبلغ ١٠٣ مليون دولار، هي حصيلة صادرات السودان الخارجية من معدن الذهب خلال شهر يناير المنصرم.
ليس مستغرباً أن يتصدر الذهب لائحة صادرات السودان غير البترولية، فقد ظل المعدن النفيس متربعاً على عرش صادرات السودان غير البترولية سنين عددا، ولكن الغريب في الأمر أن تصل حصيلة شهر يناير فقط إلى ١٠٣ مليون دولار في وقت تشهد فيه البلاد ظروفاً استثنائية بسبب الحرب التي ألقت بظلال سلبية على العملية الإنتاجية من خلال الصعوبات الكبيرة التي واجهت مدخلات الإنتاج، فأقعدت كبريات الشركات الناشطة في القطاع للتوقف عن العطاء.
ونتوقع أن يرتفع معدل عملية الإنتاج بعد أن أعلنت جميع الشركات عودتها إلى ميدان العمل، بفضل الجهود الجبارة التي بذلها المدير العام محمد طاهر عمر من خلال تواصله المثمر خلال الفترة الماضية مع هذه الشركات، وبفضل تنزيل بعض السياسات والتشريعات المتبعة في قطاع المعادن، ولعلها بشرى جعلها الله لنا لتطمئن قلوبنا بعد فزع وضيق ووجع، وعليه فإن الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة موعودة بأن تساهم بشكل متعاظم في ارتفاع قيمة صادرات البلاد من الذهب بنهاية العام الحالي ٢٠٢٤م، ليتجاوز محطة ١،٦ مليار دولار وهو الرقم الذي تحقق في العام ٢٠٢٢م، حيث كانت البلاد تتنسم عبق السلام والاستقرار في الكثير من مواقع الإنتاج.
إن المتتبع لتجربة الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، ودورها الإشرافي والرقابي الذي تضطلع به في قطاع المعادن في السودان، ليجد الكثير من الإيجابيات المشجعة التي ينبغي أن تتفاعل معها الدولة في أعلى مستوياتها، لتطويرها من خلال توفير الدعم السياسي الكامل وتسخير كافة الإمكانيات من أجل استمرارية واستدامة هذه التجربة ( السودانوية) الفريدة والتي باتت محل اهتمام وإعجاب عـدة دول على محيطنا الإقليمي والعربي، شرعت فعلياً في استنساخ مواعين مشابه تضطلع بمهمة الإشراف والرقابة من أجل التطوير والحفاظ على مواردها وثرواتها المعدنية والنفطية.
وبعد أن كشفت لنا الحرب ضعف الدعم المقدم للسودان، مِنْ دولٍ كنا نعتقدها صديقة وشقيقة، فإن الدروس التي ينبغي أن نستفيد منها في مرحلة ما بعد الحرب، هي الاعتماد على مواردنا الذاتية للمضي قدماً في عمليات البناء والإعمار وتعزيز واقع السلام والاستقرار، وهي دعوة نوجهها إلى قيادة الدولة العليا بضرورة العمل على إحكام الرقابة على الموارد بتأسيس شركات نظيرة لشركة الموارد المعدنية، تُعنى بمهمة الرقابة على قطاعات مثل الثروة الحيوانية والزراعية، والنفط، والجمارك، والضرائب، والزكاة، وغيرها من القطاعات التي تحتاج إلى رقابة من أجل تعظيم إيرادات الدولة.
إن سودان ما بعد الحرب ينبغي أن يكون دولةً مختلفةً قائمةً على تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية، وما كان السودان ليُستهدف إلا طمعاً في خيراته وثرواته التي نتأسف أن كثيراً منها يضيع هدراً، بتكاسلنا وعدم مبالاتنا، لقد أصبح من الضروري أن نهتم بالإمكانيات التي يتمتع بها السودان، ونضع برنامجاً متكاملاً للتنمية الاقتصادية للنهوض بمواردنا وثرواتنا المختلفة، وتشجيع القطاع الخاص الوطني للاستثمار فيه من خلال عقد شراكات ذكية من أجل التحسين وزيادة الإنتاج والإنتاجية، ولتكن شركة الموارد المعدنية مرجعاً وقيمة وطنية مضافة تكمن في تجربتها مفاتيح النجاح.