إسماعيل جبريل تيسو:
وكانت تأثيرات حرب الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م قوية وقاسية على كل القطاعات السودانية، حيوية وغير حيوية، بيد أن القطاع الاقتصادي نال قصب السبق في التدهور والتراجع بفعل ترصد وإصرار ميليشيا الدعم السريع المتمردة، التي مارست نهجاً منظماً ضد هذا القطاع وأتت عليه تُنقصه من أطرافه، فاستهدفت المصارف والبنوك وكبريات المؤسسات الاقتصادية، من شركات ومصانع، فخرّبتها وتركتها خاويةً على عروشها، تٌقلِّب كفيها على ما كان فيها من أموال وموارد، كانت تُزّين عنق الاقتصاد الوطني.
لم تكتفِ ميليشيا الدعم السريع بنهب وسرقة المصارف والبنوك والمؤسسات الاقتصادية، وحرقها بعد تفريغ أحشائها من الأموال والموارد، بل (استثمرت) في تداعيات الحرب، وما خلّفته من تأثيرات سلبية على انخفاض القوة الشرائية للجنيه السوداني، فشرعت في إغراق الأسواق بعملات سودانية مزيفة تمت طباعتها في الخارج بواسطة شركاء وداعمي ميليشيا الجنجويد المهتمين بتنفيذ مشروع تدمير السودان، من خلال توزيع هذه العملات المزيفة دون غطاء نقدي، إمعاناً في إحداث كارثة حقيقية تعزز من مشروعها الشيطاني للإجهاز على السودان اقتصادياً.
و لما كان قطاع المعادن مُستهدفاً بتداعيات هذه العملات المزيفة التي أخذت طريقها إلى أسواق التعدين، فقد قرعت الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة جرس الإنذار المبكر لمحاصرة هذه الظاهرة التي تحاول الإجهاز على ما تبقى من روح الاقتصاد السوداني المنهار سلفاً بفعل تداعيات الحرب وانعكاسها على التراجع الأمني وغياب الاستقرار السياسي، وتمثل ورشة العمل المتخصصة التي نفذها مكتب شركة الموارد المعدنية بالولاية الشمالية بالتعاون والتنسيق مع بنك السودان المركزي فرع دنقلا، وديوان المراجعة، وديوان الحسابات، بإشراف وزارة المالية والقوي العاملة بالولاية الشمالية، تمثل درقة منيعة لحماية قطاع المعادن من غول العملات المزيفة الذي يحاول التمدد في هذا القطاع الحيوي المهم.
الورشة التي حظيت بحضور نوعي تعتبر واحدة ممسكات التوعية لمناقشتها قضية مهمة وحساسة تتعلق بمعرفة النقود المزورة ومخاطر التحصيل الورقي، وهي خطوة أولى في مشوار طويل ينتظر القطاع الاقتصادي في مرحلة ما بعد الحرب، وقطعاً ستجني الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة ثمار ما غرست على مستوى التنبيه المبكر ورفع وعي منسوبيها من المتحصلين والمراقبين من جهة، وعلى مستوى تبصير أصحاب المصلحة من الشركاء الفاعلين في قطاع المعادن من جهة أخرى، ذلك أن قطاع المعادن، يعد أكثر القطاعات التي تستوعب تدفقات نقدية هائلة، جعلت منه ساقاً مهمة يقف عليها الاقتصاد الوطني.
ولن نشك لحظة في أن الجهات المعنية سواءً في قطاع المعادن أو القطاع الاقتصادي عامة، ستلتقط القُفَّاز، وتعمل على تنفيذ توصيات ومقررات هذه الورشة المتخصصة بما يساهم في دعم الجهود المبذولة لمحاصرة ظاهرة العملات المزورة والمزيفة، بالإضافة إلى سد الثغرات أمام المخاطر المترتبة على التحصيل الورقي، الذي اقتضته الظروف الاستثنائية التي فرضتها الحرب، ونتوقع أن يتم العودة إلى التحصيل الإلكتروني رغم الصعوبات التي تواجهه في ظل ضعف وانعدام شبكات الاتصال، ولكن شركة الموارد المعدنية التي عودتنا على الابتكار، لقادرة على إبهارنا باستحداث مواعين جديدة للتحصيل بما يحافظ على تعظيم الإيرادات، ويقطع في الوقت نفسه نَفَس خيل التلاعب بثروات ومقدّرات قطاع المعادن في السودان.