منوعات وفنون

الدامر.. ملتقى البدو والحضر

بقلم/ أنور محمدين:

قسم الخديوي إسماعيل السودان بادئ الأمر وخلال الحكم الثنائي 1898 قسم إلى 13 مديرية ثم أضيفت جبال النوبة بفصلها من كردفان 1914، وضمت سلطنة دارفور 1916 لتصير 15 مديرية كان نصيب الشمال منها 3 هي بربر ودنقلا ووادي حلفا وقسمت كل مديرية إلى مأموريات وكان مأمور دلقو يوسف نجيب والد الزعيم محمد نجيب، الذي ذكر في كتابه ” كنت رئيسا لمصر ” أنه تعلم مبادئ القراءة والكتابة على يد عمدة دلقو فرح صالح.
1905 ضم كل الشمال من شلال السبلوقة حتى جبل الصحابة في مديرية واحدة أول مرة في التاريخ واختيرت الدامر مقرا ، التي تتموضع شمال الخرطوم بنحو 300 كلم وقد ظلت تحتفظ بمركزيتها الإدارية رغم اعتماد عطبرة الناشئة، التي تبعد عنها 13 كلم رئاسة لسكك حديد السودان 1939 وازدهارها تجنبا لتداخل سلطات مدير المديرية ومدير عام السكة حديد.

تعد الدامر، التي زارها وكتب عنها معظم الرحالة الأوروبيين مثل بوركهارت وألن مورهيد إحدى 10 مدن عالمية ظلت سلاسل سكانها وعمرانها متصلة دون انقطاع عبر قرون وأكسبها تمركز السلطة ألقا وشهرة.
اختيرت الدامر مقرا لحكومة الإقليم الشمالي خلال المؤتمر القومي الجامع بالخرطوم الذي كنت عضوا فيه ثم في مؤتمر التخطيط للإقليم الوليد في دنقلا، الذي اختير له جمع متميز من الأكاديميين والشعبيين، في طليعتهم البروف علي محمد فضل ابن دنقلا، مدير جامعة الخرطوم الأسبق.

لاحقا قسم الإقليم لولايتي نهر النيل بحاضرتها الدامر والشمالية بعاصمتها دنقلا وهو واقع اليوم.
برز في الآونة الأخيرة اقتراح استرجاع نظام الأقاليم بوضع قياد الشمال بالدامر، غير أن أصواتا نادت بجعل مروي مقرا لتوسطها الجغرافي وقطعت الحرب قول كل خطيب.
ما ذكرت الدامر إلا مقرونة بالمجاذيب شيوخ الخلاوى ونار القرآن منذ القدم، الذين ظلوا لمكانتهم وقوة نفوذهم محور محاولة استقطاب السلطات المتعاقبة فتقلبت أحوالهم بين التصدي لها والاحتراب حينا، والمهادنة تارة، والمصالحة أحايين.

تشتهر الدامر بزراعاتها المتنوعة خاصة الحناء، التي يغمر إنتاجها منه السودان كله لجودته وكذا سوق مواشيها الأضخم في البلاد، الذي نشأ في عهد ممتاز باشا 1863، الذي يفد إليه منتوج نهري عطبرة والنيل النوبي من قطعان الإبل وسائر الأنعام ومشغولات الدوم والنخيل وسائر المصنوعات اليدوية ولاسيما في أيامها الأسبوعية الراتبة.

نظرا لجودة لحومها كنت أقصد جزاريها خلال زياراتي المتكررة لها بحكم عملي الإعلامي التربوي في إذاعة عطبرة وتلفزيونها المتصل بوزارة التربية بالدامر، علاوة على حمل هموم أهلي لمكاتبها وتطلعاتهم.

أنجبت الدامر مشاهير نوابغ في كل الصعد منهم: الشاعر عكير الدامر والبروفيسر عبدالله الطيب عميد الأدبين العربي والإنجليزي في السودان، الذي قال في تواضع:
أعرف كل الإنجليزية وقليلا من العربية رغم ترؤسه مجمع اللغة العربية بالخرطوم، والشاعر المميز محمد المهدي المجذوب المعروف للعامة برائعة الكابلي:
ليلة المولد يا سر الليالي والجمال
وربيعا فتن الأنفس بالسحر الحلال
كما اشتهر من الدامر، التي تضم بعض عائلة الزعيم محمد نجيب الفنان محمد حسنين” أبوسريع”، الترزي الافرنجي الأنيق الذي كان ممن تعتمد عليهم الإذاعة في أول عهدها في بثها المباشر ومن أغانيه الطروبة:
يا سايق البوباي، حكاية غريبة، وال حبيتا ديك جاهلة
وجاء بعده فناننا المسرحي المحبوب البعيو لاعب أندية عطبرة ثم حنان النيل صاحبة الصوت الشجن الشجي المنساب.

وبالطبع الشاعر الباحث صاحب عمود “أساتذة وتلاميذ ” في الصحافة وبرنامج أغاني وأغاني الساطع الرمز السر قدور، والشاب المهذب الناقد مصعب الصاوي، الذي خلفه في إدارة البرنامج الأشهر، مقدم برنامج أغنيات من البرامج.
من أشهر الذين عملوا بالدامر شاعرنا الجزيل عطاؤه توفيق صالح جبريل مديرا لسجن الدامر الشهير ، وهو من دناقلة أمدرمان حيث بنى جده الثري أول بيت بالطوب الأحمر ومن طرائفه تكليفه صديقا بسنار وهو بالأبيض تزويد والدته بالقطار بما قد تحتاج إليه فسأله:
كيف أعرفها؟
اجاب: ياها المرة الما بتعرف عربي! وهو مبدع رائعة الكابلي:
كسلا أشرقت بها شمس وجدي وهي بالحق جنة الإشراق

وهل جاز لي أن أغفل مصنع أسمنت عطبرة السامق شماليها، الذي شيد بإنتاجه سامي الجودة معظم المباني الفخيمة، ومحطة الأبحاث الزراعية الرفيعة جنوبيها، بل لا مندوحة عن التنويه بالنشاط الثقافي، الإبداعي المتوهج الذي ينتظم رابطة عنادل الدامر الباذخة.
ويا دوحتنا دامر المجذوب
لك في القلوب منازل.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق