مقالات

لواء شرطة (م) د .إدريس عبدالله ليمان يكتب: إبرَاءً لِلذِّمَّة وَ مَعْذِرَةً إلى الله

كانَتْ للجِمعِيَّاتْ الأدَبِيَّة فى المَرحَلة المتوسطة مكانةً كبيرة وحُضُورَاً طَاغِيَاً وإهتمَامَاً مُتَعاظِمَاً مِنْ إدارات التعليم فى سَبعِينِيَّات القَرنْ المَاضِى ومَطلَع ثَمَانِينَاتِه حَيثُ كَانَ الطُّلاَبْ يَحرِصونَ على حِفظِ المُعَلَّقَات ومِئاتْ الأبيات مِنْ عُيون الشِّعر العربى فى عُصُورِه المُختَلِفَة الجَاهِلى والأُمَوِّى والعَبَّاسِى والأندَلُسِى لِلمُنافَسةِ فى المُطارَحةِ الشِّعرِيَّة التى كُنَّا نَعُدُّ الفائِزينَ بِها نُجوماً فى سَماوَاتِنَا .. وكَذلِكَ الحَالْ لِفِرَقْ التَّمثِيل الطُّلابية التى لا تَقِلَّ عن الفِرَقْ المُحتَرِفة أداءً وإخراجاً وكانت تَجِدْ الرِّعَايَة مِنْ الأساتِذَة .. ومِنْ المسرحِيَّات التى لا تَزَال عالِقَة فى ذاكِرتى مسرحية ( تَاجِرَ البُندُقِيَّة ) التى تَحكِى عَنْ تاجِر يهودى إيطالى الجٍنسيَّة مِنْ مدينة البندقية يُدعَى شايلوك إقتَرَضَ مِنْه مِنافِسِه التاجِرْ أنطونيو مَبْلَغَاً مِنْ المال ووافَقْ شايلوك على الإقرَاضْ لَكِّنَه إشتَرَط أن يقطع رطلاً مِنْ اللحم مِنْ جَسدِ أنطونيو إنْ لم يَقُمْ بالسَداد فى الأجَلِ المُتَّفَقِ عليه … إلى نهاية أحدَاثْ المَسرحِيَّة التى أجادَ الطُّلاب تمثيلها وأداءها .
وبالنَّظَرِ إلى مَا يَقومُ بِهِ تاجر البُندُقِيَّة الإماراتى – والنِسبَةُ هُنَا إلى السِلاح وليس إلى المدينة كما فى المسرحية – مِنْ نَقلٍ لمئاتِ الأطنان مِنْ الأسلحة والذخائر عَبرَ دول الجِّوار ووضعه فى يد المليشيا المُجرمة مُقابل الذهب السودانى المنهوب عبر التهريب نَجِدْ أنَّ تَاجِر البُندُقِيَّة اليهودى ذو القلب المُتَحَجِّر أرحَمْ مِنْ تاجر البُندُقِيَّة الإماراتى الذِّى وجَدَ ضَّالَته فى المليشيا ومرتزقتها الأفارقة ، وأعوانها مِنْ بَنِى جِلدَتِنَا الذين نَعرِفَهم بِسِيماهم ومِنِ لحْنِ القَّول مِمَّنْ لايَعرِفُ الخَجَلِ إلى وجُوهَهُمْ سبيلاً فتَنَكَّروا للقِيَم والثوابت التى كانوا يَتَغنّوَن بِهَا .. فكانت الحرب التى أهلكتِ الحَرثَ والنَّسلْ .. فالحرب ليست إدارة بَيَاناتْ أو هُتافات وعنتَرِيّات بَلْ هى إدارة الرصاص والدَّم ، ولا يرغبُ بُهَا أحدٌ ولو لِساعةٍ واحدة ، ولَكِّنَها الآن حتمية وليس فى حِسَابِ قواتُنا المُسلَّحة وأجهزتنا الأمنية رصيداً مِنْ الخَوفِ أو الخِنوعِ ولَنْ يَكونَ لها أبَداً .. !! إلاَّ أن السكوت عن الجَهرِ بالحَقِّ فى الفترة الحَرِجَة مِنْ تأريخِ بِلادنا يكونُ سُلَوكَاً مُشِينَاً يَرقَى لِحَدَّ الخِيانَة العُظمى ..!! نَعَمْ قَدْ يَكُونُ الكلام الصريح عَنْ الأسباب الحَقيقيَّة لِمَا نَحنُ فيه الآن أمراً مُكلفَاً ، لكنه شئٌ لا بُدَّ مِنه فى مثل هذه الظُرُوفْ التى نعيشُها والتى تَكونُ فيها وحدة الوطن وإستقراره وإستقلاله عُرضة للخطر .
إنَّ البلاد تعيشُ وضعَاً كارِثيَّاً سيادة الرئيس فمتى سَتُقَرِّرون إِنقاذْ أهلَهَا مِنْ هذَا الزِلزَالْ الإقتصادى والإجتماعى الذِّى بدأت بوادره فى الظهور ومادَتْ الأرضُ مِنْ تَحتْ أرجُلَهُم على وقعِ الهَزَّاتْ الإرتدادِّيَة للحرب التى ما كَانتْ لتَشتَعِلْ لولا ذلِكُمْ التَهَاونْ والتَّرَدُّدْ والضَعفْ فى التعامل مع المليشيا وهى تَتَمَدَّدْ وتملأ الفراغات أُفُقيَّاً ورأسِيَّاً فى كُّلِ مؤسسات الدولة السِّياديِّة ( فى القصر الجمهورى وفى الإذاعة والتلفزيون وفى مُحيط القيادة العامة وغيرهما ) ..!! وكَيف لَنَا أنْ نستوعَبَ مِنْكُمْ هذا التَّجاهل سيِّدى الرئيس لِحَالةِ الضَّعفِ الإنسانى التى يَعيشُها الإنسان السودانى والتى تُنذِرُ بِتَصَدُّع كَيَانه وذَهَابَ رِيحُه وتَمَزُّقْ لُحْمَتُه .. إلى متى هذه المُمَاطَلَة وهذا الحَفرِ بالإبرة وتأخُّر إستِئصال ورم المليشيا السَّرَطانى الذِّى آذانا ..!!؟
هَلْ تُدرِكونَ سيادة الرئيس أنَّكُمْ وحَدَكُمْ مَنْ يَتَحَمَّل مُعاناة هذا الشعب الذى لمْ يَمنَح رئيساً تفويضَاً مُطلقاً وتأييداً على بياض كَما فعل معكم للقضاء على دابَّة الأرض ولتكون بطلاً قومياَّ وقائداً تأريخيَّاً .. وتَتَحملون أيضاً وِزرَ تَقتيلَه وتَهجيرَه ونهب أمواله غَدَاً بين يَدِّى الله ، فَقَدْ فاضَتْ عشرات الأنفُسَ البَريئَة غَرقاً وجُوعَاً ومَرَضَاً مِنْ بُعدَ الشَّقَة وطول الطَّريق مِنْ ولايَتِّى الجزيرة وسِنَّار إلى ولايات الشَّرق ، وعَثَرَتْ البِغَالُ والحَميرُ والدَّوابُّ ليسَ لأنَّكم لَمْ تُمَهِدُّوا لها الطَّريقْ بل لأنَّكم تَساهلتم مع المليشيا مِنْ قبل وتَساهلتُمْ معها مِنْ بَعدْ ولله الأمرُ مِنْ قَبلُ ومِنْ بَعدْ .
إنَّ التأريخ سَيَحفَظُ لكم بأنَّ الشَّعبْ السودانى ظَّل عاماً كاملاً كأنه عام الرمَادَة فى ظِّلِ وِلاَيَتِكُمْ يَعيشُ ذُّلاً وبؤسَاً ويَأسَاً مسلوبَ الإرادَة مُنتَهَكْ الحُقوق ، شَريدَاً طريدَاً غَريبَاً حتى كَأنَّه فى بَلَدٍ غَيرَ بَلَدِه ، ولكنَّه رغم كُّلِ ذلك فإنَّ الشَّعب موقِنٌ بأنَّ وطَننا سيخرُجُ مِنْ رُكَامِ هذا الرماد كما العنقاءُ قويَّاً مُحَلِّقَاً بجناحين غيرَ مَهيضَيْنِ .. فَتَرفَّقْ بِهم يا سيِّدى وأعِدَّ للمعركة الإقتصادية التى بَدَتْ بروقها تلمعُ فى الأفُق .. فَهُمْ الذِّينَ بِهِمْ تَكونُ أو لا تَكونُ ، وهُمْ الذَّينَ بِهِمْ يَعمُرْ هذا الوطَنْ وبِهمْ يَندثر .. ولتعلم يا سيادة الرئيس أننا فى عَصرٍ يُصبِحُ فيه الحَاكِمْ حَاكِمَاً ويُمسى سَجينَاً أو مخلوعاً أو منفيَّاً وقَدْ حَدَّثَتنَا حقائقُ التأريخُ بذلك .
رحِمَ الله شهدائَنا الطِّيبين الأبرار وبارك الله فى قواتُنا المُسلحة وأجهزتنا الأمنية المُرابطون على الثغور والجبهات وسَدَّدْ خُطاهم ورَبَطَ على قُلوبَهم وثَبَّتَ أقدامهم وقَوَّى شَوكَتهُم وأيَدَّهم بجُنودٍ منه لا تُقهر وجَعَلَ النَّصرَ حليفَهُم وما النَّصرُ إلاَّ مِنْ عِندِ الله العزيز الحكيم ليَقطَعَ طَرفَاً مِن الذّين كَفروا أو يَكبِتَهُمْ فينقلبوا خائِبين .
وحَفِظ الله بلادنا وأهلها مِنْ كُّلِ سوء .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق