إقتصاد

سوق الخرطوم للأوراق المالية.. فرصة السودان للنهوض الاقتصادي في ظل الصراع

الطيب الجعلي الطيب:

السودان يمر بمرحلة صعبة، الحرب والأزمات الاقتصادية ترهق البلد، والناس يشعرون بثقل الظروف. لكن وسط كل هذا، هناك بصيص أمل يمكننا التمسك به. سوق الخرطوم للأوراق المالية يمكن أن يكون الطريق نحو استعادة الاستقرار الاقتصادي، ومساعدة الشعب السوداني على النهوض من جديد.

لماذا نحتاج للتحرك الآن؟

كل يوم نتأخر فيه عن إيجاد الحلول، يزداد الوضع سوءًا. نقص التمويل يؤدي إلى تدهور الزراعة، ويمنع المشاريع الإنتاجية من النمو. الاستثمار الخارجي يكاد يكون معدومًا بسبب انعدام الأمن والشفافية. تهريب الموارد الطبيعية يسرق من السودان فرصًا كبيرة لتحسين اقتصاده.

لكننا نستطيع تغيير هذا المسار

الأسواق المالية في دول مثل سوريا، العراق، رواندا، سيراليون، وأنغولا أظهرت أنه حتى في أسوأ الظروف، يمكن للأسواق أن تكون قوة محركة للتعافي، السودان يمكنه الاستفادة من هذه الدروس لإعادة بناء اقتصاده وجذب الاستثمارات مرة أخرى.

ما الذي يمكن أن نتعلمه من العالم؟

1. سوريا: استمرارية الأسواق وسط الحرب

رغم كل ما مرّت به سوريا منذ 2011، سوق دمشق للأوراق المالية استمر في العمل، كيف؟ من خلال الاستثمار في المشاريع المحلية الصغيرة والاستفادة من التكنولوجيا المالية لتسهيل التداول. السودان يمكنه فعل نفس الشيء—بالتركيز على الزراعة والتعدين، وفتح الباب أمام الاستثمارات الصغيرة التي يمكن أن تحرك عجلة الاقتصاد.

2. العراق: إعادة بناء الاقتصاد

بعد سنوات من الحرب، ركز العراق على إعادة بناء الثقة في سوق العراق للأوراق المالية. عبر إصلاحات قانونية وبيئة استثمارية جديدة، تمكن العراق من جذب رؤوس أموال محلية. السودان يمكن أن يتبع نفس النهج—بإصلاح قوانينه وتشجيع الاستثمارات في الموارد الطبيعية مثل الذهب.

3. رواندا: من دمار الحرب إلى قصة نجاح

رواندا خرجت من الإبادة الجماعية في 1994 لتصبح واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في إفريقيا.

كيف؟ عبر الإصلاحات الاقتصادية ودعم المشروعات الصغيرة. سوق كيغالي للأوراق المالية ساعد في جذب الاستثمارات، والسودان يمكنه استخدام سوق الخرطوم بنفس الطريقة—لتمويل الزراعة والمشاريع الصغيرة التي تعزز الاستقرار الاقتصادي.

4. سيراليون: تعافي الاقتصاد بعد الحرب الأهلية

بعد حرب طويلة، بدأت سيراليون في إعادة بناء اقتصادها من خلال سوق فريتاون للأوراق المالية، وجذب الاستثمارات في التعدين والزراعة. السودان يمكنه أن يحذو حذو سيراليون عبر استغلال موارده الغنية مثل الذهب، وجعل السوق المالي وسيلة لجذب الاستثمارات الأجنبية.

5. أنغولا: الاستفادة من الموارد الطبيعية

أنغولا، بعد حرب أهلية طويلة، استغلت مواردها الطبيعية لتحقيق التعافي الاقتصادي. السودان يملك فرصة مشابهة. يمكنه تطوير مصافي الذهب وزيادة قيمة موارده عبر الاستثمار في الصناديق الاستثمارية لتطوير هذه المشاريع، مما سيساعد في جذب المستثمرين وخلق فرص عمل للسودانيين.

سوق الخرطوم.. أداة لتعافي السودان

1. الاستثمار في الزراعة والثروة الحيوانية

سندات حكومية لتمويل الزراعة

الزراعة هي العمود الفقري للسودان، لكن نقص التمويل يعيق تقدمها.

يمكن للحكومة إصدار سندات لدعم المشاريع الزراعية، مما يسمح للمزارعين بتحديث تقنياتهم وزيادة إنتاجيتهم، هذا لا يعني فقط تحسين الاقتصاد، بل يعني إطعام ملايين الناس وتوفير وظائف في المناطق الريفية.

الصناديق الاستثمارية لدعم الثروة الحيوانية

الثروة الحيوانية تمثل أحد الأصول الكبرى للسودان. عبر الصناديق الاستثمارية، يمكن تحسين سلاسل التوريد وتطوير صناعة اللحوم ومنتجات الألبان، مما سيؤدي إلى تحسين الأمن الغذائي وزيادة التصدير. هذه الصناديق ستخلق فرص عمل جديدة وتساهم في استقرار الاقتصاد.

2. الحد من تهريب الذهب عبر الحلول المالية

مراكز شراء الذهب بتمويل من السندات

مثلما فعلت سيراليون مع مواردها، يمكن للسودان إنشاء مراكز لشراء الذهب يتم تمويلها عبر سندات حكومية متداولة في سوق الأوراق المالية، مما يضمن للمعدّنين الحصول على أسعار عادلة ويحد من التهريب. هذه المراكز ستزيد من عائدات الدولة وتضمن وضع الدولة يدها على منتجات قطاع التعدين الأهلي وتحد من التهريب، كما تساعد على تنظيم قطاع التعدين بشكل أفضل.

صناديق استثمارية لتطوير مصافي الذهب

مثل أنغولا، يمكن للسودان الاستفادة من موارده عبر تطوير مصافي الذهب. هذا سيحول الذهب الخام إلى منتجات ذات قيمة مضافة، مما يزيد من عائدات التصدير. هذا المشروع سيجذب الاستثمارات المحلية والاجنبية ويوفر فرص عمل جديدة، مما يساعد في استقرار الاقتصاد.

 

3. التكنولوجيا المالية: الحل لضمان استمرارية السوق

منصات التداول الإلكتروني

التكنولوجيا المالية يمكن أن تضمن استمرارية سوق الخرطوم حتى في الظروف الصعبة. السودان يمكنه إنشاء منصات تداول إلكترونية تسمح للمستثمرين بالمشاركة من أي مكان. هذا سيوفر سيولة مالية للسوق ويزيد من جذب المستثمرين.

تقنيات الأمان السيبراني

حماية السوق المالي يجب أن تكون أولوية، عبر تقنيات الأمان السيبراني، يمكن حماية منصات التداول من الهجمات الإلكترونية، مما يعزز ثقة المستثمرين ويجعل السودان وجهة جاذبة للاستثمارات.

4. التعاون الإقليمي لدعم الاقتصاد

بينما قد تكون العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية تقليدية محدودة، يمكن للسودان أن يستفيد من البنك الأفريقي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية لدعم مشاريعه التنموية.

برامج تمويل من البنك الأفريقي والإسلامي

كما استفادت رواندا وسيراليون من التعاون الإقليمي، يمكن للسودان العمل مع البنك الأفريقي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هذا التعاون سيخلق فرص عمل جديدة ويدعم الاقتصاد الريفي.

الخاتمة: السودان أمام فرصة للتعافي

في ظل كل التحديات التي يواجهها السودان، يظل سوق الخرطوم للأوراق المالية أحد أكثر الأدوات الفعالة لإعادة بناء الاقتصاد، فتجارب دول مثل سوريا، العراق، رواندا، سيراليون، وأنغولا تثبت أن الأسواق المالية يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في دفع الاقتصاد نحو التعافي حتى بعد النزاعات الطويلة.

من خلال التعاون مع البنك الأفريقي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية، والاستثمار في الزراعة، الثروة الحيوانية، والتعدين، يمكن للسودان أن يحقق الاستقرار الاقتصادي ويضمن مستقبلًا أفضل لمواطنيه.

الفرص كبيرة، ويجب أن نبدأ الآن في بناء اقتصاد مستدام، مزدهر ومستقر.

الطيب الجعلي الطيب
خبير في حوكمة تقنية المعلومات والنظم المالية وأسواق المال

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق