مقالات
حرب السودان في إنتظار قانون واجب التطبيق
د.رجاء عبدالله الزبير:
تحيط بالسودان من جميع الجهات الكثير من المآسي والكوارث بسبب الحرب الشنيعة وآثارها المدمرة لما يزيد عن عام ونصف ، التي تقودها ميليشيات الدعم السريع ضد السكان المدنيين، حيث حولتهم الى أهداف مبررة للقتل ،فضلاً عن حالات الاغتصاب الجماعي والتهجير القسري للسكان وقطع الطرق ،وقد بذل أبناء الوطن الذين هبوا للدفاع عن أهلهم وأعراضهم قصارى جهدهم لحماية ما تبقى منه، ومنع وقوع المزيد من الإنتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني والحد من المعاناة والدمار واسع النطاق .
تسعى هذه الميليشيات، التي تتالف من أفراد ينتمون الى تنظيم عرقي او اثني مشترك إلى إضفاء الشرعية على وجودها من خلال تصوير نفسها كحارس على الوحدة الوطنية والتكامل الإقليمي للدولة،غير أن إصرارها على ممارسة العنف المنظم واسع النطاق ضد الشعب السوداني يبدو اكبر من إنشغالها بتحقيق النصر إذ تهدف إلى تفكيك الدولة وإلحاق اكبر قدر من الاذى بالسكان المدنيين.
بالنظر الى الحقائق على أرض الواقع اليوم، وما نتج من إنتهاكات وفقدان الأرواح الغالية والمعاناة والدمار واسع النطاق وتشريد الملايين من المدنييين، يمكن توصيف الحرب الدائرة في السودان من خلال التقييم الواقعي للوضع الحالي بأنها “نزاع مسلح مزدوج التصنيف” double classification” ” ،الذي يجمع خصائص النزاع المسلح غير الدولي والنزاع المسلح الدولي ،نتيجة لوجود أطراف دولية تؤثر في مسار النزاع ،فضلاً عن الأطراف الداخلية المشاركة فيه.
ونستطيع توصيف النزاع الدائر بين القوات المسلحة السودانية وميليشيات الدعم السريع بالنزاع المسلح غير الدولي، ويصنف كذلك بالنزاع المسلح الدولي نتيجة لتدخل بعض الدول بشكل مستتر لمساندة ميليشيات الدعم السريع المتمردة بالتمويل وتزويدها بالمعدات،وتقديم المعلومات الإستخباراتية حيث تستخدم هذه الدول تلك الميليشيات للقيام بعمليات عسكرية منظمة ضد القوات المسلحة النظامية والسكان المدنيين بشكل مباشر بهدف القضاء على الدولة السودانية ،وعليه يجمع الوضع في السودان بين جوانب النزاع المسلح الدولي والنزاع المسلح غير الدولي.
في ظل هذا الوضع الذي يتسم بدرجة عالية من التعقيد،وكنتيجة لعدم تمكن القوات المسلحة من السيطرة الكاملة على الأرض، تواجه مؤسسات العدالة في الدولة تحديات تعيق ممارستها لسلطاتها برصد الإنتهاكات وتحديد المسؤولين عنها ومعاقبتهم وفقاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي ،ومع سيطرة ميليشيات الدعم السريع على بعض المناطق وإستهدافها للكوادر القانونية من مستشاري وزارة العدل والقضاة،ووكلاء النيابة،والمحامين وإضطرارهم إلى الانتقال لمناطق أكثر أمناً، يصبح من غير المتصور في الوقت الحالي لهذه المؤسسات أن تتمكن من القيام بدورها بالوجه الأمثل ،والخيار الضروري لمعالجة إختلالات النظام العدلي هو تطبيق نظام العدالة الإنتقالية وقد أشرنا اليها بالتفصيل في مقالات سابقة ،لمحاسبة الافراد المتورطين في الإنتهاكات، وتكون خطوة ضرورية لتحقيق الامن والإستقرار والعدالة للضحايا التي ينشدها الجميع ويعزز الثقة بين المجتمع والدولة .