منوعات وفنون
الحاج حسن فضل سلطان الكرد ..
بقلم/ دكتور عبدالوهاب همت:
في رفقة الحاج داؤود قصدنا الشمالية قرية كرمكول وكرمكول يكفيها أن دخل احد أبنائها البررة أوسع عوالم الأدب الروائي العالمي ومن مِن السودانيين لم يسمع بالطيب محمد صالح والذي ذاع صيته وإشتهر بإسم الطيب صالح.
وقرية كرمكول ترقد هادئة وديعة على ضفاف النيل ، هي ومجموعة مدن وقرى ، أهلها بسطاء كرماء أصلاء دونما من أو رياء.
مدينة الدبة هي حاضرة هذه المناطق وسوقها الآن عامر بكل شيء من واردات وصادرات السودان، سوقها الآن مؤكدا هو السوق رقم واحد في السودان من حيث الضخامة وتضم المدينة كل بنات وأبناء السودان وهناك وجود لافت لأبناء إقليم دارفور يعيشون فيها ويتبادلون الاحترام مع سكانها، والمدينة الان تحولت الى شريان الحياة لإقليم دارفور ولغيره من أقاليم السودان فمنها تذهب وتأتي البضائع.
على الدولة الآن أن تنظر لمدينة الدبة بشكل مختلف لتوفر فيها كل متطلبات البنى التحتية، ورأس المال السوداني يجب أن يوظف بعضه هناك وللمدينة مقومات كبيرة تسمح بتطورها، وأن يقدم الناس رسميين وشعبيين الدعم لواليها الأستاذ عابدين عوض الله الذي تصدى للمهمة في وقتٍ عصيب وهو رجل يمتلك تجارب وخبرات ممتدة مايتيح له فرصة أن ينهض بهذه المدينة ويضعها ضمن كبريات المدن السودانية والكرة الآن في ملعبه للإنطلاق وبالتوفيق والسؤدد.
سبب ذهابنا هو تقديم واجب العزاء لأسرة الحاج داؤود محمد والذي توفي إبنه محمود هناك.
ما أن وصلنا إلى مكان العزاء في حوالي الثامنة مساء إلا ووجدنا السودان المصغر كلهم ينتظرون الحاج داؤود لتقديم واجب العزاء.
مجموعتنا فاقت الثلاثون شخصاً بعد أن إنضم لنا اللواء يحيى صدام ورفاقه في مدينة عطبرة، ضمت المجموعة والحاج داؤود وإبنه عبدالله والأستاذ أحمد قارديا سيارتنا قادها بمهارة الشاب المهذب المهندس هادئ الطباع الزاكي عبدالكريم.
الصيوان المنصوب في ميدان كبير ممتلئ بالناس ورغم الظلام لكنه مشع بدواخل القلوب الطيبة .
ما أن تناولنا العشاء، إلا وطاف بيننا شخص سوداني ملتحي قصير القامة وبكلمات بسيطة معبرة وعفوية ( يلا ياجماعة اتحركو على العربات ) تبادلنا النظرات فيما بيننا لكنه وقف وقفة واحدة بعد أن أصدر فرمانة وما علينا سوى أن ننفذ الأوامر ، شقت العربات طريقها وبعد أن تجاوزنا شارع الأسفلت بمررنا بالجنائن والنخيل منتصباً والخضرة تكسو المكان تماماً.
وبعد انتهاء تعرجات الطريق وصلنا إلى أمام منزل تقدمنا الرجل هاشاً باشاً ، وقبل جلوسنا بدأ سكان قرية الكرد يتدافعون نحو الحاج داؤود لتقديم واجب العزاء بألم وحسرة وبعضهم يبكي بحرقة ، ولحظات نكتشف أن الحاج داؤود ليس من دارفور فقط إنما هو من تلك المناطق ولديه صداقات يعود تاريخها لبداية ثمانينات القرن الماضي.
دقائق قليلة وجاءت صواني الطعام الممتلئة وصاحب الدار كان معنا ويعلم أننا تناولنا وجبة العشاء، جاء أبناءه وهم يتابعون معه ولامناص أمامكم إلا وأن تطيعوا أوامره وتأكلوا مرة أخرى ، فرغنا من الأكل والشراب وكانت الأسرة جاهزة للنوم و قبلها فرش الأسنان سجادات الصلاة وكل واجبات الضيافة ويزيد.
ومنذ آذان الصبح كل شيء جاهز الشاي بألوانه والبسكويت ، وقبل الفراغ منه ، الفطور جاهز ياجماعة ( ومافي طريقة تطلعوا الا تفطروا) ولم تجدي كل الاعذار مثل ( المعزين ينتظروننا وووو) ولم تُسمع لنا كلمه ونفذنا الأوامر.
ولليوم الثاني ويستمر الحال ويقف الرجل مشرفاً على راحتنا هو واولاده من أصغرهم لأكبرهم.
يالروعة وجمال وجلال هذا الرجل وأفراد أسرته الكرام. وكم كان الراحل إسماعيل حسن مُحقاً عندما قال (تصور كيف يكون الحال لو ماكنت سوداني واهل الحارة ما أهلي).
نعم نحن سودانيون أصلاً وهذا الشخص الشهم الكريم هو الحاج حسن فضل سوداني كامل الدسم جعل له الله بسطة في الرزق وظفه له وأسرته وضيوفه.
هذا هو السودان الذي نتباهى به ونتشرف بشرف الانتماء له ورؤوسنا عالية تعانق عنان السماء.
وإن مزقتنا الحرب فهناك أناس في هذا السودان يحجبون الشمس بمواقفهم وأخلاقهم وإبتسامتهم.
لازلنا في معية الحاج حسن فضل وفي كل ساعة يأتي للحاج داؤود أناسٌ من قرية الكرد معزين ومواسين وواضح أن للرجل إخوة أعزاء في كل مكان.
ولابد لي من إزجاء شكر جزيل للملازم أول عزام عثمان ورفاقه في مروي والذي استقبلنا وأكرم وفادتنا رغم كثرة مشغولياته وأعينه فاحصة ترصد أي خطر يتربص بالمدينة .
شكراً عزام فأنت صاحب عزم وعزيمة ورجل مواقف فهنيئاً لرؤسائك برجل في قامتك.
يا حاج حسن فضل علمت انك تُقضي حوائج الناس بكامل الكِتمان و ليس أمامي بإسمي واسم جميع من رافقوني إلا أن نشكرك الشكر اللائق المستحق وندعو العلي القدير أن يبسط لك الرزق أكثر وأكثر وأن يباركه لك، وان يُسدل عليك وأسرتك ثياب الصحة والعافية .
والشُكُر الاف الاف.
وكما قال شاعر الشعب ( تبقى ملامح في ذريتك).