نبني فتهدمها الرياح فلا نضج ولا نثور

معتصم الشعدينابي:
حينما كنا نشيد من الرمال قصورا وقلاع لم أكن قد سمعت بالشاعر التونسي أبوالقاسم الشابي، وعندما عرفت الشابي عبر قصيدته التي تحمل الكثير من العناوين في مقررات الأدب بالدول العربية منها “مرح الطفولة” أو “الجنة الضائعة” والتي تبدأ بالبيت: (كم من عهود عذبة في عدوة الوادي النضير )، عندما عرفته عرفت أنني قد ودعت العهود النضرة والوادي النضير والكثير من الجمال، لكن ما عشناه من جمال قد يكفي لتزويدنا لمواجهة ماقد يواجهنا من قبح وكدر حتى بقية العمر.
رغم المأساة التي عشناها بحي الشعديناب وفقداننا لأرواح غالية، ورغم الدمار تظل الأمطار بابا للخير المقبل ونفاجا ندس فيه رؤوسنا ونغوص في ذكريات الماضي الجميل.
هذا المكان كان اسمه (القوز) والقوز عندنا هو تل الرمال وما أكثر القيزان والتلال في تلك الأيام .. لم تكن لدينا مهام -وقتها- غير تخير القوز الرطب لنبني بيوتنا وقصورنا ومدننا الرملية، كل حسب إمكانياته الجسدية والعقلية وقوة تحمله وقوة شخصيته التي تعينه على حماية ما يبني من التعديات.

وفي نفس هذا المكان الذي يبعد عن منزلنا بمقدار ثلاثة أو أربعة شوارع، وعلى بعد أمتار من مرقد (عبدالله راجل درو) جد الشيخ المجذوب، كنا ننبهر ب(قبة) أو (قلعة) محمد النور، التي ابتكرها قبله الشفيع، كانت تلك المنطقة تشبه السوق في صباح المطر ، عامرة بكل أنواع فنون المعمار التي كانت تضاهي عندنا قصور الأمويين والعباسيين.
كان عالما جميلا والآن أطفالنا يعيشون نفس الإحساس في نفس المكان على الرغم من اختلال الميزان واختفاء القيزان.



