الحيوانات المنزلية الأليفة.. كيف واجهت قسوة الحرب ووحشيتها؟- (١)

بقلم/ عبدالله رزق أبوسيمازة:
شاهدت قبل أيام على قناة العربية الحدث تقريرا مصورا عن مبادرة لأطباء بيطريين فلسطينيين تتعلق برعاية الحيوانات الأليفة في غزة ، التي تركها أهلها خلفهم ، بعد أن تركوا المدينة التي تحولت لركام أنقاض ، بفعل القصف الإسرائيلي.
تذكرت حال حيوانات الوادي الأخضر المكشوفة لمخاطر الحرب وعبثيتها.
كنت قد لاحظت في وقت سابق انه قد أصبح لهذه الكائنات المنسية نصيب من المجاعة غير المعلنة التي تخيم على المنطقة.
كيف هي حالة الحيوانات الأليفة في ظل الحرب من أين تحصل على الطعام وما مصائرها في ظل الشح أو ندرة الغذاء، بسبب نزوح أهلها ومربيها أو بسبب معاناتهم هم أنفسهم من صعوبة الحصول على الغذاء الكافي وبالتالي لم يعد بإمكان الحيوانات الأليفة الحصول كما جرت العادة في السابق الاعتماد كثيرا على بقايا الطعام إذ لم يعد الزاد يكفي ناس البيت الذين يقسمون الوجبة الواحدة والتي تتكون غالبا من بليلة العدسية إلى وجبتين ، ” نظام تصبيرتين “:
الكلاب والقطط والغنم والدجاج طيور الزينة والهداهد والطواويس والببغاوات والحمام…الخ، ماذا حدث لها ؟
حكى فيسباكي أن كلبهم قد ترك البيت ، ورحل عند دعامة سكنوا في الجوار ، لهم في كل يوم ذبيحة، قال إن الكلب كان ينبح كلما مر بالجوار.
وفي إحدى المرات هاجمه يريد أن يفتك به لولا أن الدعامة حال بينهما الكلب !!
كانت هناك مخاوف بالذات مثارها أكل الكلاب الجثث الآدمية واحتمال إصابتها ببعض الأمراض الخطيرة وانتقال تلك الأمراض للإنسان ما صحة تلك المخاوف ، ومدى تحققها في الواقع …الخ سؤال شغل بال الكثيرين.
جنون الكلاب :- في أيامنا الأخيرة بالوادي ، وقريبا من مسكننا ، شهدنا قيام أحد الكلاب بغرز أنيابه في رجل طفل ولم يطلقها إلا بعد أن أطلق عليه أحد المسلحين النار وهي واقعة قد تكشف بعض سلوك هذه الحيوانات وقت الجوع، وهوما قد يتطور ، لأكل الجثث الآدمية المتناثرة في شوارع وميادين العاصمة وهو الطور الأكثر خطورة والذي يتعين الحذر منه والذي شكل من ناحية أخرى، أحد ذرائع حملة واسعة للقضاء على الكلاب.
في هذا الإطار يقول الدكتور عصام علي : لا شك أن الحيوانات أيضا تضررت بفعل الحرب من خلال تعرضها للموت أو الإصابة المباشرة، أو التجويع و الإهمال نتيجة تشريد أصحابها أو التخلي عن إطعامها لقصر ذات اليد وعدم الإمكانيات ونتيجة لذلك نفق الكثير منها في اقفاصها وحظائرها خاصة الكلاب والقطط وبعض الطيور . وهذا ليس مقصورا على الحيازات المنزلية فقط بل اغلب المربين والشركات الكبرى العاملة في قطاع الألبان تركت أبقارها في الحظائر صبيحة الحرب دون علف أو رعاية فكانت عرضة للنهب والذبح والموت وكذلك الدواجن فمثلا شركة كبيرة ، مثل شركة ميكو للدواجن ، تملك حوالي 30 حظيرة ، سعة الحظيرة الواحدة 25000 طائر جميعها نفقت بسبب الجوع والعطش وانقطاع التيار الكهربائي، وكذلك الشركة العربية، شركة شبيكة، رويال چكن، القارص وغيرها من الشركات.

الحيوانات المنزلية ، هي الأخرى تضررت خاصة الحيوانات البرية وعلى رأسها الكلاب والقطط فبعضها نفق نتيجة العنف أو جوعا بسبب الحبس والبعض الآخر خرجت تأكل من خشاش الأرض، والغالبية العظمي منها أصبحت تعتمد على الجثث البشرية المتناثرة على الأرض، في مساحات شاسعة خاصة الكلاب رغم أن ذلك له آثار سلبية على صحة الإنسان والحيوان على حد سواء وقد أثبتت بعض الدراسات أن الحيوانات البرية التي تعتمد في غذائها على الجثث المتناثرة خاصة الكلاب تغير سلوكها Behaviour وتصبح أكثر شراسة مما يشكل خطراً على الإنسان.
وقد أثبتت بعض الدراسات أن الكلاب التي تتناول اللحوم البشرية لا تنسي طعمها ، وبالتالي تتشكل لديها رغبة عارمة لتناولها مرة أخرى، الأمر الذي يعرض حياة البشر للخطر.
الكارثة الأخرى، يقول د. عصام علي ، تكمن في أكل اللحوم النية أو غير المطبوخة، الأمر الذي من شأنه أن يعرض الكلاب للإصابة ببكتريا Escherichia coli (E.coli) المقاومة للمضادات الحيوية خاصة الفلوروكينولونات فهذه البكتريا يمكن أن تنتقل إلى الأشخاص عن طريق الملامسة، وتدخل هذة البكتيريا إلى الفم عن طريق الأيدي الملوثة مسببة للإنسان الكثير من الأمراض.
مقبرة “جلحة” تشهد أكبر تجمع للكلاب..
ويؤكد المهندس عباس محجوب عباس ، وهو أحد القيادات المجتمعية البارزة في المنطقة و أحد مربي الماشية أن الكلاب والقطط المحلية قد قتل أغلبها وكأنما كان هناك توجيه لأفراد الدعم السريع ، الذي انتشرت قواته في المنطقة، حينذاك بقتل الكلاب، فيما نفقت البقية التي لم تجد ما تأكله وما تبقى من الكلاب قتل أيضا بعد دخول الجيش لأنها اقتاتت على الجثث وأصبحت مشروع كارثة صحية .
أما الحمام والدجاج، يقول عباس، فإن الناس مع بداية الحرب انتهزوا هذه السانحة ليحسنوا وجباتهم بلحمه وهكذا قضى أغلب الحمام والدجاج .
وتدعم شهادة الدكتور أنور شمبال أستاذ الصحافة بجامعة الفاشر ، وهو من سكان الوادي الأخضر بشأن مقبرة جلحة المخاطر التي أصبحت تبرر على نحو كبير ضرورة التخلص من الكلاب، فقد أصبحت مقبرة جلحة بالترس الشرقي لمربع 20 ( مدينة الصحفيين) جوار منزلي مجمعا للكلاب من كل فج، رغم تصيدها بالأسلحة النارية من قبل الدعامة على حد تعبير دكتور شمبال . وكان جلحة وهو أحد قادة الدعم السريع ، خلال وجوده مع بعض جنوده قد ضربتهم مسيرة أثناء وجودهم في منزل بالجوار ، وتم دفنهم على طريقة “دفن الليل اب كراعا برة” ، كما يقول شمبال ، وكان ذلك مناسبة للتعرف على الأعداد الكبيرة من الكلاب التي تركها أصحابها، والتي ظلت في حالة نباح متواصل طوال الليل ، ونبشت من الجثث ما استطاعت نبشه، وتركت العظام موزعة في الطرقات.
وبالمقابل فقد تزايد عدد القطط وهناك حكاوي كثيرة تروى عنها بعد أن تحولت لآفة مزعجة بالمنطقة، أما الدواجن والحمام، فكانت موضوع اعتداء مستمر، فما أن تنزل حمامة في منزل إلا تسلط عليها أحد الأولاد بالنبلة إلى ذلك، فقد اختفى الحمام ، تماماً ، من الوادي بسبب ظروف المعيشة القاسية.
قتل الحيوانات الأليفة لأجل التسلية
لكن البروفسور شادية اللازم، الأستاذة بكلية الطب البيطري ،بجامعة بحري ، ترصد سياقات أخرى لقتل الحيوانات الأليفة لغرض التسلية أحيانا ولأغراض أخرى أحيانا تقول: لقد رأينا في منطقة الصالحة الجنود الأطفال يقتلون الكلاب للتسلية والتنافس في التصويب أو التنشين بدون رحمة، وهو مشهد كان يؤرقني ويؤلمني جدا حتى الطيور كانوا يقتنصونها، وفي كلية الطب البيطري ، جامعة بحري ، عندما احتل الدعم السريع الكلية ذبحوا تيوسا هولندية مستوردة لتحسين النسل ، تقدر قيمتها بآلاف الدولارات وأكلوها حتى الدجاج البلدي الهائم لم ينج من الذبح.
في الأسبوع الأول من الحرب ذبحوا جمال العصارات وأكلوها وقضوا على جميع الماعز والضأن المربى في البيوت.
وتختم البروفسور شادية التي تعد مقالة علمية حول الموضوع بقصة الكلب (مو) التي لا تخلو من المغزى ، قائلة : أذكر حالة لكلب عند جيران لنا كان مدللا وهو كما يقولون (كلب حر ) أي أصيل ويدعى (مو) كل الحلة تحبه.
في يوم من أيام الحرب كان أحد الدعامة ماشيا قربه، فنبح، فما كان من الدعامي إلا أن أطلق عليه النار من مسدسه، تأثر الجالسون بالحادث ولاموه، وكلنا دعونا عليه. ويبدو أن دعواتنا قد أصابته ، فمات بعد أيام قليلة بعد أن أصابته قنبلة قطعت يديه.
أما الكلب (مو) فلم يمت في لحظتها، ولكنه هرب وجرى البحث عنه لمعالجه إصابته ، لكن لم يتم العثور عليه إلا بعد أيام، جاء يعرج وقد تعفنت رجله ومات فبكاه الجميع كثيرا.
ففي حين يسعى البعض للعناية بالحيوانات الأليفة زمن الحرب ورعايتها كان هناك من يتسلى ويتلذذ بقتلها.




