منوعات وفنون

كوردون بلو

د. ناهد قرناص:

“هسة دا شنو دا، ما عرفنا لينا اسم أكلة واحدة كدا، القالت نجي المطعم دا تجيب لي ولي أمرها”. تذمرت مها صديقتي من أسماء الأكلات في قائمة الطعام في ذلك المطعم الذي تم افتتاحه حديثاً، كنا نريد أن نكرم إحدى الصديقات اللاتي عدن أخيراً من رحلة الدراسات العليا في النمسا، حضرنا باكراً لاستكشاف المكان.

صُدمنا بهذه القائمة التي ما أنزل الله بها من سلطان، قلت لها “صحي والله، زمان كان تقري الأسماء كدا، ريقك يجري شية كبدة مشوية بيض بالطوة شريفة، حاجات كدا عليها القيمة، ايه اللي كوردون بلو، والفريدو شنو الاسم ذاتو عشان تنطقه تجيك غصة في الحلق”.

عادت بي الذاكرة إلى زمان سحيق أيام الإبتدائي قبل أن يمسخ ويدعى الأساس، جاءت إلينا ناظرة جديدة للمدرسة، كانت في ذات الوقت زوجة ضابط كبير في سلاح المدفعية عطبرة لذلك كانت تأتي إلى المدرسة بسيارة الجيش يقودها سائق ينزل ليفتح لها الباب (دي براها قصة) لكن ليس هذا هو المهم، المهم أنها كانت عندها إبنة تماثلنا في العمر، شاء حظنا الجميل أن تجلس بجانبنا في الكنبة في الفصل، كانت جميلة ورقيقة ونظيفة (أكثر من اللازم)، طبيعي فهي تأتي بعربة بينما نحن نضرب (الكداري) جيئة وذهاباً كنا قد بدأنا في مد حبال التواصل معها وسمعنا منها أنهم كانوا في أمريكا وبلاد الفرنجة وماوراء البحار، ثم بورتسودان، ومنها إلى عطبرة، ما إن يدق جرس فسحة الفطور، كانت تنسحب إلى مكتب والدتها لتفطر معها، بينما نحن نجلس حلقة لتخرج كل منا فطورها، فول، سلطة أسود، سلطة بالدكوة، أحيانا طحنية ذات يوم قالت الجميلة الصغيرة إنها طلبت من أمها أن تشاركنا الفطور، وغداستأتي لنا بأكلتها المفضلة لتفطر معنا سألناها ماهي هذه الأكلة ؟ قالت بصوتها الرقيق (اوملت).

ما هذا الاوملت يا أمة الله؟؟ تلفتنا تجاه بعضنا البعض، يبدو أنه لم يسمع بها أحد قبل ذلك اليوم، ولم تفسر لنا هي الكلمة، قالتها عادي كدا، انصرفنا في ذلك اليوم وفي القلب شئ من (اوملت) قلبنا الأمر على وجهاته في التوقعات ولم نرسو على شئ، فقلنا إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب؟.

صباح اليوم التالي الحصتين الأولى والثانية كانتا أطول حصص في عمرنا كنا نختلس النظر اليها وهي ساكنة تتابع الدرس باهتمام، كأنها لا تحمل (اوملت ) في حقيبتها قرع الجرس وتلاحقنا يسبقنا (الشوق قبل العينين) أخرجت علبة زهرية اللون، فتحتها بحرص لتخرج لنا قطعة من البيض المقلي مع خضروات، وين الاوملت ؟؟ سألتها إشراقة السر بدهشة ردت الصغيرة (اهو دا) مصمصت شفتيها إشراقة، وقالت بلهجة الشايقية “نان ما تقولي بيض بالبندورة والفلفلية، الفلقصة عليك شني”؟

يبدو أن ثقافة الاوملت قد انتشرت وتعددت حتى وصلت أسماء الآلات الموسيقية (اكورديون وسكسفون) وايه مش عارف ايه، أسماء الأكلات لاتوحي لك بمكوناتها تلقائياً لا يتم تحفيز الخيال فيها احتدم الجدال، لم نستطع اختيار أكلة كل اسم تحته شرح وافي لمكونات التركيبة أقصد الوصفة، ونحن في خضم النقاش، حضرت المحتفي بها دفعنا لها بقائمة الطعام، قلبتها وأرجعتها لنا قائلة “ما عندهم قراصة بالدمعة ولا تقلية وعصيدة، أكل عديل كده ياخ مش مركبات ثاني أكسيد المنجنيز دي”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق