مقالاتمنوعات وفنون

مصعب الصاوي يكتب: أديب.. غبت ومازال عندي شعاعك

كان تشييعه تجسيداً لروحه الطيبة الخيرة المحبة

وارينا الثرى مغرب أمس الثلاثاء، بمقابر حلة حمد ببحري، الفنان الدرامي أديب أحمد، مغفورا له بإذن الله، وسط مراقد أهله في تلك البقعة الطاهرة المطيبة بأنفاس المتصوفة والصالحين.
تلك الأنحاء التي شهدت مولده وأولى خطواته في مدارج الحياة وتفتقت فيها مواهبه في التمثيل ولعب في حواريها كرة القدم، وشاهد نجوم الذهب في تمرين الأحد في نجيل بلدية بحري.
كان تشييعه تجسيداً لروحه الطيبة الخيرة المحبة للجميع وخاصة أهل الإذاعة، عشقه المقيم.
لقد طوَّف أديب بمواهبه المتعددة في كل الوان الفنون فتخصصه الأساس هو الاخراج والتمثيل وقد عشق الغناء عبر صوت الكابلي وكانت متعة الزملاء في قسم الموسيقى عندما يعزفون لأديب على العود ضنين الوعد وهو يغني ويغني فتستحيل الكافتيريا كلها إلى كورال مصاحب وهو يغني ويضحك دون أن يفلت منه الزمن.
كان طاقة لاتهدأ من النشاط المتنوع والمدهش تشكيلي، خطاط، مصمم ديكور، شاعر، كاتب إذاعي ومخرج.
التحق أديب بإذاعة البرنامج الثاني وعملنا معا تحت قيادة المرحوم خطاب حسن أحمد، ثم أحمد طه امفريب ثم ذوالنون بشرى فعفاف الصادق حمد النيل. وعبر كل هذه الإدارات المتعاقبة كان أديب هو عمود البرمجة الفقري، أكثرنا همة وإبداعاً وأعظمنا إيمانا برسالة الإذاعة. كانت تجربة البرنامج الثاني لأديب هي الأساس الذي صقل معارفه وقدراته في فنون صناعة المحتوى للراديو، وعندما توقفت هذه الخدمة انتقل للعمل بالبرنامج العام. وقتها كان إذاعياً مكتمل العدة مجوداً، وأحد اسطوات تلك الصناعة الممتعة والمؤلمة.
في البرنامج العام راد أديب مجالات أخرى منها إخراج الدراما الإذاعية وأنتج في هذا الباب عدداً مقدراً من المسلسلات والتمثيليات والبرامج الدرامية فضلاً عن إخراج المنوعات والخدمات الراتبة التي تسند اليه حسب التكليف.
أسلوبه في الإخراج يجمع بين العمق والبساطة مع إلمام واسع بمحتوى المكتبة الصوتية لاسيما الغناء والموسيقى، واختياراته تنم عن ذوق وحس فني رفيع يخلق المخرج أديب داخل الاستوديو سواء في العرض المباشر أو التسجيل جواً حميماً من الإلفة والمحبة والمرح، ويبدأ أولاً بالفني الذي يسجل أو ينفذ على الهواء، فهو يعتقد أن نجاح أي عمل إذاعي يتوقف على الحالة النفسية والمزاجية للفني. ومعظم الفنيين الذين عملوا معه كانوا أولاً بمثابة الأصدقاء له.
عملنا معاً لربع قرن من الزمان وتعاونا لسنوات وسنوات في إنتاج برنامج (مدارات)، وإذا كانت الإذاعة هي عشق أديب الأول، فإن برنامج مدارات هو روحه التي يحيا بها ويتنفس وحتى عندما بدأ المرض يتسلل إلى جسده كان يقول لي وللمخرج الصديق أبوبكر الهادي “أنا ماعايز برنامج مدارات يتوقف”.
سكب فقيدنا العزيز أديب في هذا البرنامج خلاصة تجربته الفنية واستطاع أن يؤلف عبره سيمفونية رائعة من الدراما والغناء والموسيقى والسرديات والمواد الثقافية في قالب رشيق وجذاب بوجود كوكبة من ألمع الأصوات تعمل في فريق متناغم.
امتد نشاط أديب خارج أروقة دار الإذاعة إلى الحياة الثقافية والمسرحية بمعناها الواسع، فهو ممثل في المسرح وفي دراما التلفزيون وحتى السينما على قلة إنتاجها شارك ممثلا في فيلم البؤساء لجاد الله جبارة وابنته سارة جاد الله.
اختتم أديب حياته المهنية بالتدريس في جامعة النيلين كلية التربية قسم الدراما بعد أن نال درجة الدكتوراة من جامعة السودان كلية الموسيقى والدراما في إخراج الدراما في الإذاعة والتلفزيون.
رحم الله الحبيب والصديق الصدوق أديب أحمد وجعل البركة في أسرته الصغيرة والهمنا وكل أصدقائه وزملائه ومحبيه وعارفي فضله الصبر وحسن العزاء ولاحول ولاقوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون.

مصعب الصاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق