مقالات

من باشدار إلى الوحدة مروراً بالمساءلة النقدية

عبدالله رزق أبوسيمازة:

حاز العنف غير المسبوق الذي قوبل به موكب تحالف قوى الحرية والتغيير في محطة باشدار بالديوم الشرقية جنوب الخرطوم على كل الاهتمام وسحب الأضواء عن الموكب، وحجب رسالته في مناهضة العنصرية وخطاب الكراهية التي ينطوي عليها عنوانه البليغ: (السودان الوطن الواحد).
لم تكن أعمال العنف مفاجأة لأحد منذ أن حمل بيان باسم لجان المقاومة بالمنطقة تحذيراً لمنظمي الموكب من نصب منصة في المحطة بما أهلها لأن تحجز لها حيزاً متقدما في التكهنات والتوقعات.
لذلك فإن التحليلات التي تناولت الحدث، لم تغفل أثر هذا البيان في تهيئة مسرح العدوان، غض النظر عن مرتكبيه أو من يقف خلفهم، تنظيما وتوجيهاً وتحميل اللجان جانباً من المسؤولية إن لم يكن كلها عن الاعتداءات التي طالت المشاركين في الموكب بمجرد وصولهم المحطة، وقبل أن ينصبوا المنصة محل اعتراض لجان المنطقة.
وقد استخدمت في تلك الاعتداءات، التي خلفت جرحى وسط أنصار تحالف قوى الحرية والتغيير العصي والسكاكين والسواطير والمسدسات، بجانب القنابل المسيلة للدموع وقد اعتبرت الأخيرة مؤشراً لوجود أياد للسلطة في الأحداث وقد أناب المهاجمون الذين يفترض انتماءهم لخندق الثورة، النظام الانقلابي في فض الموكب، وهو ماقد يدخل التاريخ باسم “عار لجان المقاومة” قياسا على “عار القيادة العامة” الذي يشير لفض الاعتصام الشهير أمام القيادة العامة.
يترجم الاعتداء على موكب 27 يوليو، حالة مرضية متفشية في بعض الأوساط السياسية، تفاقمت بعد انقلاب 25 اكتوبر، جوهرها كراهية تحالف قوى الحريةوالتغيير خاصة، والأحزاب عامة في ملمح وثيق الصلة بمعاداة الحرية والديموقراطية والتعددية السياسية والثقافية من جهة، والتقارب السياسي والعضوي مع الانقلاب.
وقد تأسس على هذا العصاب السياسي، نزوعا لدى بعض الفاعلين في الساحة السياسية للإدعاء بامتلاك الشارع السياسي واحتكار قيادة الجماهير وتحديد ثورية الآخرين من عدمها والوصاية الكاملة على الثورة ومتعلقاتها.
ولم يتغير هذا الوضع كثيرا أو قليلاً بإعلان تحالف جديد باسم القوى الجذرية سيعزز -دون قصد- تعددية مراكز الثورة ويجعل من التنسيق بين مراكز القيادة والسيطرة المتعددة أبسط احتمالات الوحدة والأكثر الأرجحية.
وتكشف واقعة باشدار تطور هذا الموقف نحو حماية هذا الاستيهام الاقصائي بوسائل العنف لا بالتنافس السلمي الديمقراطي وسط الجماهير بالبرنامج والحوار الديمقراطي المستند على القبول بالآخر المختلف سياسياً وايديولوجياً وقد تحسر الكثيرون في سياق ردود الأفعال الكثيفة التي وجدت مكانا واسعا في السوشيال ميديا على أن تنتهي ثورة ترفع شعارات العدالة والحرية والسلام إلى هذه النهاية غير المتوقعة وهي نهاية تعكس تفاقم حالة التشظي واستعار الخلافات وسط قوى الثورة والتي بلغت ذروتها باجتذاب لجان المقاومة نفسها إلى اتونها إذ لم تعد حالة الانقسام بما تستدعيه من مواجهات وتنافس سلبي قاصرة على الأحزاب السياسية والتكوينات المهنية.
ويعبر هذا التطور التراجيدي من جهة أخرى عن تراجع سريع ومريع وانتكاس في التوجه نحو وحدة قوى الثورة، المسألة المفتاحية في الخروج من نفق الأزمة السياسية الناشئة من انقلاب 25 أكتوبر.
لعل من أهم تداعيات الحدث -بجانب اتساع دائرة التضامن مع قوى الحرية والتغيير في مواجهة العنف والضيق بالرأي الآخر وبحرية التجمع- هي أنه فتح الباب بقوة أمام اندفاع موجة من المحاسبة والمساءلة النقدية والنقد الذاتي داخل الحياة السياسية، لا تتوقف عند اللجان حسب،إذ ستظل ثمة حاجة ماسة تقتضي من الجميع التضامن لوقف تيار العنف وخطاب الكراهية داخل القوى المحسوبة على الثورة نفسها، والتماس سبل انجاز وحدة حقيقية تنبثق منها قيادة للجماهير المتحفزة للثورة والمستعدة للتضحيات من أجل كسب المعركة الأخيرة بإنهاء الانقلاب عبر العصيان المدني والإضراب العام، في إطار الانتفاضة الشاملة، ذلك هو طريق اختصار معاناة الشعب من ناحية، والحيلولة دون إطالة عمر النظام الانقلابي من الناحية الأخرى، وليكون شهره العاشر الذي يدخله الآن هو آخر ما تبقى له من عمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق